رام الله | يطلّ مخطّط لتهجير الفلسطينيين من الضفة الغربية المحتلّة إلى الأردن، برأسه مرّة أخرى، هذه المرّة على وقع العدوان على قطاع غزة، والذي رافقه مخطّط لتهجير جديد للفلسطينيين هناك إلى سيناء في مصر، سرعان ما ثبتت استحالة تنفيذه. وبات واضحاً أن الضفة مقبلة على مواجهة كبيرة مع المستوطنين، في ظلّ ما يخطّط له هؤلاء من هجمات على الفلسطينيين عقب تسليح المئات منهم، وتشكيلهم عصابات مسلحة.وتجمّع مئات المستوطنين، مساء أول من أمس، قرب بلدة دير إستيا شمال غرب سلفيت، واعتدوا على المواطنين، متوعّدين إيّاهم بـ«نكبة» جديدة على غرار نكبة عام 1948 من خلال منشورات ألصقوها على مركبات المزارعين الفلسطينيين قرب البلدة، وجاء فيها: «إن أردتم نكبة مماثلة لعام 1948، فوالله ستنزل على رؤوسكم الطامّة الكبرى قريباً. لديكم آخر فرصة للهروب إلى الأردن بشكل منظّم. وبعدها سنُجهز على كلّ عدوّ، وسنطردكم بقوّة من أرضنا المقدّسة الّتي كتبها الله لنا».
وتندرج تلك التهديدات ضمن المشهد التصعيدي العام في الضفة، المصحوب باتّساع الهجمات الإرهابية اليومية للمستوطنين وجيش الاحتلال على مختلف القرى والبلدات، والتي كان آخر فصولها اعتداء مجموعة من المستوطنين على مدرسة عرب الكعابنة قرب أريحا، حيث نُصبت دُمى ملطّخة بالدم لخلق حالة من الرعب لدى الأطفال. وقبل أيام، ألقى مستوطنون منشورات إرهابية أخرى قرب قرية قصرة، على كلّ منها صورة لمجموعة من المستوطنين الملثّمين وهم يحملون فؤوساً وصفيحة بنزين ومنشاراً، مع نصّ مطبوع باللغتين العبرية والعربية يقول: «إلى كلّ الجرذان في مجاري قرية قصرة، نحن في انتظاركم ولن نحزن عليكم. يوم الانتقام قادم».
وشهد العام الجاري ارتفاعاً في اعتداءات المستوطنين حتى قبل عملية «طوفان الأقصى». ووفقاً لبيانات الأمم المتحدة، سُجّل أكثر من 100 حادثة كلّ شهر، وجرى طرد نحو 400 شخص من أراضيهم بين كانون الثاني وآب الماضيين. وأفادت «منظمة حقوق الإنسان الإسرائيلية» (بتسيلم)، بدورها، بأنها وثّقت، منذ عملية «طوفان الأقصى»، «جهداً منسّقاً ومنظّماً من قبل المستوطنين لاستغلال تركُّز الاهتمام الدولي والمحلي برمّته على غزة وجنوب لبنان، لزيادة الاعتداءات، حيث سُجّل خلال الأيام الستة الأولى من الحرب على غزة، ما لا يقلّ عن 46 حادثة منفصلة هدّد فيها المستوطنون، أو هاجموا، أو ألحقوا أضراراً بممتلكات الفلسطينيين في الضفة الغربية».
يوزّع بن غفير الآلاف من قطع السلاح على المستوطنين


وشرَع وزير «الأمن القومي»، إيتمار بن غفير، في العاشر من تشرين الأول الجاري، في توزيع الآلاف من قطع السلاح على المستوطنين في المستوطنات الشمالية والساحلية، وفي المناطق والمدن المختلطة. وفي 13 تشرين الأول، نشر بن غفير تدوينة له مع صور في عدد من المستوطنات في الضفة، قال فيها: «في إطار عملية شراء الأسلحة للسكان، شاركت اليوم في توزيع الأسلحة في منطقة وادي يزرعيل (شمال)». وأعلن أنه قام بشراء قرابة 4 آلاف قطعة سلاح، من أصل 20 ألف قطعة سيتمّ شراؤها خلال الأيام المقبلة، مضيفاً أنه قام بتوزيع 2000 قطعة على عشرات المستوطنين في المناطق الشمالية والساحلية، كما سيتمّ توزيع المزيد في المستوطنات الأخرى. وفي 10 تشرين الأول، نقلت صحيفة «تايمز أوف إسرائيل» عن بن غفير قوله إن وزارته اشترت 10 آلاف بندقية، لتسليح المستوطنين في الضفة، وآخرين يعيشون في مدن مختلطة مع العرب، إضافة إلى تسليح فرق الحماية المدنية.
في خضمّ ذلك، عاشت مدن الضفة وبلداتها ليلة دامية جديدة (الخميس - الجمعة)، استشهد فيها 4 شبان، خلال مواجهات مع قوات الاحتلال، أبرزها في مخيم جنين الذي شهد اقتحاماً واسعاً واشتباكات مسلحة بين المقاومين وجيش العدو، أسفرت عن استشهاد 3 مقاومين، هم: عبد الله أبو الهيجاء من بلدة اليامون، أيسر محمد العامر من مخيم جنين وجواد التركي، بينما استشهد الأسير المحرّر، قسام عبد الحافظ، خلال مواجهات اندلعت في مدينة قلقيلية. وأعلنت فصائل المقاومة في جنين تصدّيها لقوات الاحتلال وآلياتها بالرصاص والعبوات الناسفة في عدّة مواقع، بينها محيط «مستشفى ابن سينا» وحيّ الزهراء، في وقت استعان فيه جيش العدو بالطائرات المسيّرة التي اغتالت الشهيد جواد التركي في محيط المخيم، توازياً مع قيام جرافات الاحتلال بتخريب الشوارع هناك.
كذلك، شنّت قوات الاحتلال، فجر أمس، حملة اعتقالات واسعة طاولت 70 مواطناً على الأقل من الضفة، بينهم امرأتان وصحافي، لترتفع حصيلة الاعتقالات منذ السابع من تشرين الأول، إلى أكثر من 1530 حالة. أمّا مدينة القدس، فقد تحوّلت إلى ثكنة عسكرية لليوم الثالث على التوالي، فيما لم يتمكّن سوى 5 آلاف مصلّ من الوصول إلى المسجد الأقصى والصلاة فيه، بعدما كان يصل عددهم إلى 50 ألفاً، حيث منعت قوات الاحتلال المصلّين ممّن هم دون الـ 70 عاماً من الدخول إلى المسجد، واعتدت على من أدّوا الصلاة خارج البلدة القديمة، وقمعتهم وأطلقت صوبهم الرصاص المعدني المغلّف بالمطاط والغاز السام المسيّل للدموع، ولاحقتهم في شوارع وادي الجوز. جاء هذا في وقت شهدت فيه مناطق متفرّقة من الضفة، مساء أمس، مسيرات عدّة في مراكز المدن إسناداً لغزة وتنديداً بجرائم العدو، ترافقت مع اندلاع مواجهات عنيفة خلّفت عشرات الإصابات.
وكان الرئيس الأميركي، جو بايدن، قد حذّر نتنياهو، قبل يومين فقط، من أن «تصاعد التوترات» في الضفة قد يؤدي إلى «تفاقم الأزمة»، فيما قال مسؤولون في البيت الأبيض إن بايدن أعرب، خلال محادثات أجراها مع نتنياهو، عن «قلقه بشأن ارتفاع عدد الفلسطينيين الذين قتلوا في الضفة الغربية وكذلك زيادة عنف المستوطنين»، معتبراً أنه «يتعيّن على إسرائيل التحرّك لتهدئة الوضع في الضفة ومنع هجمات المستوطنين ضدّ الفلسطينيين من أجل منع انفجار الوضع على الأرض».