وبالنتيجة، انسحب الاحتلال من المخيم مخلّفاً دماراً كبيراً، فيما هرع المواطنون عائدين ليُفاجأوا بحجم الدمار الذي لحق بالمنازل والبنية التحتية، وشرعوا في البحث عن مصابين أو شهداء تحت الأنقاض، من دون العثور على أيّ شيء. وفي وقت لاحق، أعلن جهاز «الشاباك» وجيش الاحتلال والشرطة، في بيان مشترك، اغتيال «قوات اليمام»، قائد «كتيبة جنين»، محمد الزبيدي، بعد مطاردة طويلة استمرّت سنوات. ومحمد هو شقيق الشهيد نعيم الزبيدي، وابن عم الأسير، زكريا الزبيدي، قائد «كتائب شهداء الأقصى» سابقاً، وأحد أسرى «نفق الحرية». كما أعلنت أجهزة العدو اغتيال القيادي في«الكتيبة»، وسام حنون، واعتقال أحد قادتها، وهو الأسير المحرّر طلال الحصري، شقيق الشهيد عبدالله الحصري، ووالدة الأسيرَين نور ومنير سلامة، وزوجة هاني أبو الشاكر، بحجّة أن نجلها مطارد. وفي المقابل، لم تُشِر «كتيبة جنين»، في بيان عسكري، إلى ما ذكره الاحتلال عن اغتيال قائدها، قائلةً إن «مجاهدينا خاضوا بكلّ قوّة واقتدار عملية تصدٍّ ومواجهة استمرّت لساعات طويلة، كبّدوا خلالها قوات الاحتلال خسائر كبيرة»، مضيفة أن «مجاهدينا الأبطال نصبوا عدّة كمائن وحقّقوا إصابات مؤكدة في صفوف العدو وأوقعوا جنوده في سيل من النار وأشراك العبوات المتفجّرة، كما نفّذوا عمليات تفجير لعدد من العبوات في الآليات وقوات المشاة في حارة الدمج، ما أدّى إلى تحقيق إصابات مؤكّدة».
الاحتلال يريد إفهام أهالي مخيم جنين أن مصيرهم قد يكون مشابهاً لمصير أهالي شمال قطاع غزة
وكانت المناطق التي اقتحمتها قوات الاحتلال، قد شهدت اشتباكات مسلّحة عنيفة مع المقاومين، تخلّلتها عمليات تفجير للعديد من العبوات الناسفة بالآليات العسكرية، كانت ترتفع وتيرتها وتنخفض طوال فترة الاقتحام، بينما أكّدت مصادر محلية أن العبوات باتت أكثر قوّة وفق ما يشي به صوتها وضخامة انفجارها، فضلاً عن تصاعد الدخان من بعض الآليات المعطوبة. وبحسب مصادر محلية، فإن الاقتحام الأخير يُعدّ من العمليات العسكرية الكبرى التي شهدتها جنين، في العامَين الماضيَين، وهو ما دلّ عليه إعلان جيش الاحتلال المدينة منطقة عسكرية مغلقة، ما عنى أنْ لا وقت محدّداً لعمليته التي قد تطول حتى إنهاء «مهمّته»، والتي امتدت بالفعل لنحو 16 ساعة.
ومن بين أبرز المشاهد التي رافقت العملية أيضاً، حصار المستشفيات المدنية الثلاثة (المستشفى الحكومي، ومستشفى ابن سينا، ومستشفى الرازي)، والتعرّض لطواقم الطوارئ، ومركبات الإسعاف، واحتجازها واختطاف الجرحى منها. وفي هذا الإطار، قالت «جمعية الهلال الأحمر الفلسطيني»، في بيان، إن «جيش الاحتلال احتجز أحد طواقم الإسعاف التابعة للجمعية أمام مستشفى جنين الحكومي، ومنع نقل مصاب بالرصاص الحيّ في القدم إلى المستشفى، واعتقل لاحقاً المصاب من داخل سيارة الإسعاف على مدخل المستشفى». ومن جهته، أكّد مدير «مستشفى جنين الحكومي»، وسام بكر، أن الاحتلال اقتحم ساحة المستشفى بآلياته ومنع الطواقم الطبية من ممارسة دورها في علاج المصابين، وفتّش مركبات الطواقم والموظّفين، ونشر فرقة مشاة أمام غرفة الطوارئ.
أمّا مدير مستشفى «الرازي»، فواز حماد، فقال إن «شابين وطفلاً أصيبوا برصاص الاحتلال في الأطراف، وصلوا إلى المستشفى، في الوقت الذي أعاقت فيه قوات الاحتلال عمل مركبات الإسعاف، واستخدمتها كدروع في اقتحامها»، بينما أفاد مدير مستشفى «ابن سينا» سامر عطية، بأن جيش الاحتلال فرض حصاراً على المستشفى من مداخله كافة. وذكر مدير «جمعية الجليل للرعاية والتأهيل المجتمعي الخيرية» في مخيم جنين، جمال أبو العز، بدوره، أن قوات كبيرة من جيش الاحتلال داهمت مقرّ الجمعية وحطّمت محتوياته، مشيراً إلى أن المقرّ يتعرّض للمرّة الثانية على التوالي للمداهمة والتخريب.
ويبدو أن الاحتلال نقل تكتيك التهجير واستهداف المستشفيات الذي مثّل أبرز أدوات العدوان على قطاع غزة، إلى الضفة أيضاً. كما يبدو أنه يريد إيصال رسالتَين الى أهالي مخيم جنين: أولاهما، أن مصيرهم قد يكون مشابهاً لمصير أهالي شمال القطاع، بحيث سيكونون معرّضين للتهجير من منازلهم؛ والثانية تتعلّق بمستشفيات جنين، والتي لن تكون بعيدة عن مصير مستشفيات غزة التي جرى قصفها وتدميرها واحتلالها وإخراجها من الخدمة، خاصة أن المستشفى الحكومي في المدينة تعرّض للحصار الإسرائيلي أكثر من 5 مرات. وبات لافتاً أن قوات الاحتلال تتّجه فوراً إلى حصار المستشفيات في بداية كلّ اقتحام، وتبقيها تحت الحصار إلى حين الانسحاب، في محاولة لمنع وصول الجرحى إليها.