غزة | للمرّة الأولى منذ أكثر من 50 يوماً، دخلت العشرات من سيارات «وكالة غوث وتشغيل اللاجئين» (الأونروا)، أوّل من أمس، محاطةً بعناصر شرطية محلّية، ومحمَّلةً بـ2000 لتر من وقود السولار، إلى المناطق الشمالية من وادي غزة. وعلى بوابة عيادة الوكالة المركزية وسط مخيم جباليا، أنبأ تنقُّل الموظفين الأجانب، الذين يلبسون الخوذ ويحملون أجهزة الاتصال اللاسلكية الغربية، إلى أن ثمّة خلافاً ما. هناك، التقينا الدكتور منير البرش، وهو مسؤول طبي كبير في وزارة الصحة. يوضح الرجل، في حديثه إلى «الأخبار»، أنه «لم تدخل إلى المناطق الشمالية سوى كميّة محدودة جدّاً من وقود السولار، وكان من المفترض أن يتمّ توجيهها إلى مستشفيَي العودة وكمال عدوان، كونهما المؤسّستَين الصحّيتَين الوحيدتَين اللتين توفّران الخدمة الصحية في مناطق مدينة غزة وشمال القطاع كافة، ولكنّ موظّفي «الأونروا» رفضوا ذلك، وأصرّوا على أن يشرفوا بأنفسهم على استخدام السولار لتشغيل خمسة آبار مياه هامشية... نقطة الخلاف هي في ترتيب الأولويات».
تبدو الوكالة، في أحسن الأحوال، أداة طيّعة وليّنة بيد العدو، يستخدمها في إنفاذ ما يريده من مخطّطات

وبحسب مصادر محلّية، فإن الآبار الخمسة التي تصرّ «الأونروا» على استهلاك الوقود الذي دخل إلى شمال القطاع، من أجل تشغيلها، هي آبار هامشية في الوقت الحالي، لأن العمران المحيط بها تمّ تدميره بشكل شبه كلّي، وليس ثمّة سكّان في الوحدات التي بقيت صالحة للسكن هناك، فضلاً من أن شبكات المياه مدمّرة تماماً، ما يعني أنه سيتمّ استخراج المياه وضخّها بلا أيّ فائدة. وتوضح المصادر ذاتها أن موظفي الوكالة الذين أشرفوا على توصيل كمّيات الوقود البسيطة تلك، كانوا قد تلقّوا تعليمات دقيقة جدّاً من سلطات الاحتلال، حدّدت مسار تحرّكهم، والآلية التي يجب أن يسلّموا بها الوقود، فضلاً عن الطريقة التي سيتمّ استهلاكه بها. وتشي التعليمات الصارمة المشار إليها، بحرص العدو على ألّا ينعكس دخول المساعدات، بأيّ شكل من الأشكال، تحسّناً في الواقع المعيشي في مناطق شمال القطاع، بما يضمن صمود مئات الآلاف من الأهالي الذين يرفضون الإخلاء والتهجير. وفي هذا السياق، تبدو «الأونروا»، التي تركت المناطق الشمالية من دون أيّ رعاية، واستجابت سريعاً لدعوة الاحتلال إلى تفريغها من سكانها، شريكة للأخير في تمرير مخطّطاته، أو في أفضل حالات حُسن النية، أداة طيّعة وليّنة بيد العدو، يستخدمها في إنفاذ ما يريده من مخطّطات.
على أيّ حال، حملت ساعات المساء توتّراً كبيراً، وانتهت بتفريغ الوكالة كمّيات الوقود في المراكز التابعة لها، وإبقائها تحت الرقابة إلى حين اجتراح حلّ يفضي إلى استهلاكه في المجالات التي تحوز أولوية. وحتى ذلك الحين، لا تزال مستشفيات شمال القطاع، ومعدّات البلدية وسيارات الإسعاف، متعطّلة بشكل شبه كلّي.