ويأتي ذلك بعدما كان يفترض أن ينجز الجيش الإسرائيلي أهمّ هدفَين أُعلنا ابتداءً: تحرير عدد كبير من الأسرى الإسرائيليين، وإنهاء حكم «حماس»، وأيضاً «حماس» نفسها، إلا أن أياً من هذه الأهداف لم يتحقّق، وإنْ أَنجز الجيش الإسرائيلي، وبكفاءة عالية، مهمّة قتل المدنيين والتدمير الممنهج في شمال القطاع. كذلك، لم تسعف صفقة تبادل الأسرى، والهدنة التي رافقتها، إسرائيل في تقديمها كتنازل اضطرّت له «حماس» بفعل الضغط العسكري والعملية البرية. كما أن الحركة لم تقع لاحقاً في الفخّ، وتجنّبت إعطاء الجانب الإسرائيلي سلّم النزول عن الشجرة الطويلة جداً في شمال القطاع، فاضطرّ للنزول هو عنها، عبر الانسحاب من المنطقة، من دون الإعلان عن أن انسحابه جاء لينهي المرحلة الثانية من العملية البرية.
انسحاب الجيش الإسرائيلي من شمال القطاع، يشير إلى بدء المرحلة الثالثة من الحرب
وإذا كان يفترض أن ينهي الجيش الإسرائيلي رهانه على تحقيق أيّ من أهدافه في مدينة خانيونس، ومن بينها الأمل في أن ينجح في قتل قادة «حماس» الثلاثة أو واحد منهم على الأقل، فهذا يعني أن الانتقال اضطراراً إلى المرحلة الثالثة، أيضاً في الجنوب، هو مسألة أسبوع أو اثنين، في حين أن لمنطقة رفح ومعبرها، حساباتها الخاصة التي تجبر تل أبيب على مراعاتها، بل وعدم القفز من فوقها، وتحديداً في ما يتعلّق بالموقفَين المصري والأميركي، حيث مصالحهما مقدّمة لازمة لأيّ إجراء في هذه المنطقة.
أميركا تغادر
تغادر حاملة الطائرات الأميركية «جيرالد فورد»، الشرق الأوسط، خلال الأيام المقبلة، حيث من المقرّر أن تعود إلى مينائها الأصلي في ولاية فيرجينيا. ويثير هذا القرار قلق إسرائيل من فقدان عامل من عوامل الردع، التي رأت أنها تحقّق لها مساعدة في لجم أعدائها. إلا أن أهمّ ما في دلالات انسحاب «فورد»، أنه يأتي على خلفية التوجّه الأميركي لإفهام صانع القرار في تل أبيب، أن الحرب انتهت، ولم يَعُد في إمكانه تحقيق أهدافه فيها. كما أنه يُعدّ إشارة أميركية، وإنْ جاءت متأخرة، إلى أن إعطاء إسرائيل مزيداً من الوقت، يعني إمكان دفع أرصدة أميركية في المنطقة، بلا طائل، مع مفاسد لا يمكن إدراك حجمها ومستواها، ليس في الساحة الفلسطينية فحسب، بل على صعيد المنطقة، وكذلك في الداخل الأميركي، علماً أن لدى إدارة الرئيس جو بايدن وقتاً محدوداً للعمل على ترميم ما أفسدته الحرب، إقليمياً.
في الوقت نفسه، فإن إدارة بايدن معنية بأن تُفهم إسرائيل بأن اليوم الذي يلي حرب غزة، لا يعني الاعتماد على الولايات المتحدة في تسوية عسكرية تؤدي إلى مواجهات شاملة في المنطقة. فإذا كان الوجود العسكري الأميركي في الإقليم رسالة ردع إلى أعداء إسرائيل، إلا أن الولايات المتحدة لا تريد من هذا الوجود أن يحفّز الدولة العبرية، في السياق الردعي للأعداء المشتركين، على ما لا يخدم المصالح الأميركية في المنطقة، وفي المقدّمة، التسبّب بحرب شاملة.