بغداد | أسوة بساحات المواجهة الأخرى مع إسرائيل والولايات المتحدة، اشتعلت بشكل ملحوظ الساحة العراقية، أمس، بعد العدوان الأميركي الذي أسفر عن استشهاد أحد قادة الألوية في «الحشد الشعبي»، ومرافق له، في هجوم جوي نسبته غالبية القوى السياسية العراقية إلى الاحتلال الأميركي، ما رفع بشكل كبير الضغوط على حكومة محمد شياع السوداني، لإنهاء الوجود العسكري الأجنبي، ولا سيما الأميركي، في البلاد. وحمَلت بيانات الاستنكار الصادرة عن تشكيلات المقاومة العراقية، للهجوم الذي استهدف مقراً لحركة «النجباء» في بغداد، وكذلك لحادثتي اغتيال العدو الإسرائيلي العميد في الحرس الثوري الإيراني، رضي موسوي، في سوريا، ونائب رئيس حركة «حماس»، الشيخ صالح العاروري، في بيروت، ومن ثم التفجيرات الإرهابية في محافظة كرمان الإيرانية، رسائل عدة، أبرزها جاهزية تلك التشكيلات للانتقام من القوات الأميركية.وفي ظل هذه الأحداث المتصاعدة إقليمياً، رفعت «المقاومة الإسلامية في العراق» حالة التأهب والجاهزية في كل تشكيلاتها المقاتلة بعد الهجوم الذي استهدف مقر «النجباء» شرقي بغداد، وأدى إلى استشهاد معاون قائد عمليات «حزام بغداد» في «الحشد الشعبي»، مشتاق السعيدي (أبو تقوى)، ومرافقه. وتوعّدت فصائل المقاومة بالقيام بعمليات عسكرية نوعية انتقاماً من القوات الأميركية. وحمّلت الحكومة العراقية، من جهتها، في بيان، قوات «التحالف الدولي» مسؤولية هذا الهجوم، واصفة إياه بـ «غير المبرر» على جهة أمنية عراقية تعمل وفق الصلاحيات الممنوحة لها من قبل القائد العام للقوات المسلحة (رئيس الوزراء)، معتبرة أن ما جرى سيقوّض جميع التفاهمات بين القوات المسلّحة العراقية وقوات «التحالف». ويأتي ذلك بينما تواجه حكومة السوداني، موجة غضب في الأوساط السياسية والشعبية، التي تطالب بتطبيق قرار البرلمان القاضي بإنهاء الوجود الأميركي خلال وقت محدد، وسط تلويح المقاومة بالتحضير لهجمات عنيفة ضد القواعد الأميركية.
وفي هذا السياق، يقول عضو المكتب السياسي لحركة «النجباء»، فراس الياسر، إن «كل الأمور متوقّعة، خاصة بعد اغتيال الشهيدين موسوي والعاروري، وما تلاهما من اعتداء آثم على مقر النجباء واستشهاد المسؤول العسكري مشتاق السعيدي. فكل هذا يجعلنا في مرحلة متقدّمة من إمكانية الدخول في مواجهة مفتوحة مع العدو». ويرى الياسر، في تصريح إلى «الأخبار»، أن «جزءاً من هذه العمليات الإرهابية هو محاولة تنفيس للكيان الصهيوني، ومحاولة شراء وهم النصر، نتيجة الضغوط التي يواجهها من ضربات المقاومة الإسلامية والحصار الذي يقوم به أنصار الله. وبالتالي ما نعيشه الآن هو مرحلة كسر قواعد الاشتباك مع إسرائيل». ويتوقع أن يكون هناك رد من الأراضي العراقية ضد الأميركيين والكيان الصهيوني، وليس بالضرورة أن يُقابَل الاغتيال بالاغتيال، وإنما تتوزّع المهام والأدوار من خلال المقاومة الإسلامية التي تمتلك قاعدة بيانات كبيرة لرصد تحركات المحتل الأميركي.
المقاومة في مرحلة متقدّمة من الجاهزية للدخول في مواجهة مفتوحة مع الأميركيين


ويؤكد الياسر أن «المقاومة مستمرّة في ضرباتها النوعية، وأن الولايات المتحدة تحصد خسائر لم تعلن عنها، خوفاً من كشف ضعفها»، مضيفاً أن «الضربات ربما تتطوّر، وستكون، كما ذكر الأمين العام لحركة النجباء أكرم الكعبي، هجمات مباشرة ليس فقط على مستوى القدرات الصاروخية والطائرات المُسيّرة، بل هجمات انتقامية كبيرة ضد المحتل، ولا سيما بعد الهجوم على مقراتنا». ويعتبر أن قيام الولايات المتحدة بقصف مقرّات وقطاعات «الحشد» واغتيال قياداته كان متوقّعاً، «فلذا نحن على جاهزية للمواجهة ضد المحتل».
أما المتحدث باسم «كتائب سيد الشهداء»، كاظم الفرطوسي، فيرى أن «كل السيناريوهات متوقّعة. وبالتأكيد هناك توقّع وحذر من أن تقوم أميركا أو الكيان الصهيوني أيضاً بعمليات اغتيال في العراق لشخصيات من المقاومة، وهذه حماقة ستضاف إلى حماقاتهما وفشلهما في علاج المشاكل والأزمات». ويؤكد، في تصريح إلى «الأخبار»، أن «الردود ستكون قاسية على مصالح أميركا في العراق وخارجه، كما أن ارتكاب الكيان الصهيوني أي حماقة، سيجعل الأميركيين يدفعون الثمن، فيما ستكثف المقاومة استهدافها لإسرائيل أيضاً». ويتابع: «إننا في حالة حرب وهذا هو الوصف الحقيقي لما يجري في المنطقة. وهذه الحرب لها شكل وقواعد اشتباك خاصة، وبالتالي فإن كل شيء متوقّع في الحرب، ومن جملة ذلك، التصعيد على المستوى النوعي أو على مستوى الأهداف. حالياً، هناك قواعد اشتباك تحكم الحرب، وهي ليست حرباً مفتوحة لكل الصنوف والقطعات، وإنما لها طابع خاص وهو الاستهداف عن بعد، لكنّ المقاومة باتت تمتلك تقنيات مهمة على العدو أن يخشاها».
ويشير الفرطوسي إلى أن «التصعيد المتوقّع يعتمد على أمرين، هما التوقيت وكيفية تصرّف العدو. ونعتقد أن الولايات المتحدة لديها مصالح في المنطقة وهي تخشى توسّع الحرب وتحاول تجاوز الحالة الراهنة بأقل ما يمكن لأنها أكثر الأطراف تضرراً بسبب أهمية مصالحها في المنطقة». ويختم بالقول إن «أميركا لن تقدم على عمليات كبيرة أو استهداف كبير، وإنما تحاول الاحتفاظ بالرد أحياناً أو ترد وتوقع خسائر قليلة لتقول بعدها إنها ردّت على الهجمات التي تطاول قواعدها ومصالحها في العراق وسوريا وهذه المصالح تجعلها تتحمّل الضربات».
من جانبه، يرى المستشار العسكري، علي الموسوي، أن «المقاومة الإسلامية باتت مستعدّة لخوض حرب أمام الولايات المتحدة، لامتلاكها الأسلحة والمُسيّرات والتقنيات المتطوّرة، وهذا تدركه واشنطن جيداً ويجعلها في حالة يقظة وحذر من هجمات الفصائل المسلحة ضدها». ويعتبر أن استهداف الولايات المتحدة لقيادات في الخطين الأول أو الثاني في «الحشد» وفصائل المقاومة «ينذر بحرب ويفتتح ساحات اشتباك داخل العراق وسوريا، خاصة بعد القصف في بغداد، والذي قد يعطي المشروعية للمقاومة لضرب السفارة الأميركية أو أهداف حيوية للقوات الأميركية». ويحذر من «مواجهات مباشرة، لأنها ستدخل العراق في حرب هو في غنى عنها، وربما أوضاعه لم تتحمّلها»، متوقّعاً أن تبذل الحكومة الحالية «قصارى جهدها للتهدئة، ووقف الغارات الأميركية مقابل حماية بعثة التحالف الدولي».