طغى موضوع العقد الموقّع بين وزارة الاتصالات وشركة ACUATIVE الأميركية (أسّسها ويديرها أميركيون يحملون جنسية إسرائيلية) عام 2017، على اجتماع لجنة الاتصالات النيابية أمس حول الخروقات التي تطاول الأمن السيبراني في لبنان. وبعدما طالب النواب بالحصول على كلّ المستندات، سلّم المدير العام لـ«أوجيرو» عماد كريدية رئيس اللجنة النائب إبراهيم الموسوي ملفاً يشمل كل ما له علاقة بعمل هذه الشركة.على أن الأمر لم ينته عند هذا الحد، بعدما ظهر تضارب في مضمون مراسلات حصلت لجنة الاتصالات على نسخ منها، من بينها مراسلات بين مدير المعلوماتية السابق في «أوجيرو» توفيق شبارو وإدارة الهيئة، يبدي فيها الأول تحفّظات على عمل الشركة. الأهم مستندات حصلت عليها «الأخبار» بيّنت أن الشركة الأميركية بدأت عملها في جمع المعلومات المتعلّقة بشبكة الاتصالات في هيئة «أوجيرو» في 15/3/2017، أي بتاريخ سابق على جواب مكتب المقاطعة في وزارة الاقتصاد حول ما إذا كانت لها علاقة بالعدو الإسرائيلي (وهو إجراء مُلزم قبل التعاقد مع أي شركة أجنبية)، خصوصاً أن العقد مع الشركة يخوّلها الحصول على «داتا» حساسة تمكّنها من التجسّس على المستخدمين.

(هيثم الموسوي)

وبحسب المستندات، أُرسل طلب وزارة الاتصالات إلى مكتب المقاطعة للتحقق من الشركة بتاريخ 27/3/2017، أي بعد 12 يوماً على بدء عمل الشركة، وجاء ردّ المكتب في 2/4/2017. وتبيّن المستندات أنّ المديرة العامة لوزارة الاقتصاد آنذاك، عليا عباس، أعطت موافقتها على التعامل مع الشركة من دون إجراء التحقيقات اللازمة حولها. فقد ورد في كتابها ما نصّه: «لدى التدقيق في سجلّات وزارة الاقتصاد لم نجد قيداً لتلك الشركة، وبذلك يُعتبر وضعها سليماً، وغير مُحظر التعامل معها». واستندت عباس إلى عدم ورود اسم ACUATIVE ضمن لوائح الشركات المحظور التعامل معها، علماً أن ذلك لا يعني عدم ارتباط الشركة حكماً بالعدو. فكثيراً ما تكون اللوائح غير محدّثة، ويحصل غالباً أن لا يظهر اسم شركةٍ ما ضمن جداول مكتب المقاطعة، ولذلك تتم الاستعانة بالأمن العام وبفرع المعلومات. وعلى سبيل المثال، أشار الجهازان الأمنيان أخيراً على المدير العام الحالي للوزارة محمد بو حيدر بعدم إعطاء موافقة لوزارة الاتصالات بالتعامل مع شركتين أجنبيتين لارتباطهما بإسرائيل، رغم أنهما لم تظهرا في سجلّات «الاقتصاد».
مصادر في إدارة «أوجيرو» أكدت أن ما جاء في مراسلات شبارو غير دقيق، وأن الشركة الأميركية عقدت اجتماعات معه لـ«توضيح مراحل العمل بعد الحصول على أمر المباشرة». وعرضت المصادر مراسلات إلكترونية بين إدارة «أوجيرو» ومندوب الشركة كارلو مجاعص، في 24 و25 نيسان 2017، أي بعد مرور وقت على جواب وزارة الاقتصاد، تتضمّن طلب مجاعص تسهيل حصول موظفي الشركة على تأشيرات دخول إلى لبنان لمباشرة العمل. وتؤكد المصادر أن أمر المباشرة بالعمل صدر إلى المديرية المعنية بعد الرابع من نيسان من الشهر نفسه، وأن هناك فارقاً زمنياً بين موعد توقيع العقد ومباشرة العمل، وأن توقيع العقد لا يلزم الشركة مباشرة بالعمل قبل الحصول على رأي وزارة الاقتصاد بشأن رأي مكتب المقاطعة. علماً أنّ القانون يحظر توقيع العقد قبل رأي مكتب المقاطعة.
عقد ACUATIVE كان، أمس، محور اجتماعِ لجنة الإعلام والاتصالات النيابية التي خصّصت للأمن السيبراني، بعد سلسلة خروقات إسرائيلية لشبكة الاتصالات أخيراً. وحضر الجلسة وزير الاتصالات جوني قرم وكريدية وممثلون عن الأجهزة الأمنية كافة، وتقرّر التوسّع في النقاش في جلسة ثانية ستُعقد الأربعاء المقبل، على ضوء إجابات أكثر دقّة طلبها رئيس اللجنة النائب إبراهيم الموسوي من كريدية حول نوع «الداتا» التي حصلت عليها الشركة. كما طلب من قرم إفادة اللجنة بما إذا كان العقد مسجّلاً وفقاً للأصول في سجلّات وزارة الاتصالات، كون «إهمال هذه الخطوة يشير إلى محاولة جعل العقد سرياً إلا عمن وقّعوه».
ووفق معلومات «الأخبار»، نفى كريدية أن تكون الشركة الأميركية قد تسلّمت أي بياناتٍ حساسة، أو نقلت أي نسخ من «الداتا» إلى خارج لبنان، ما استدعى تعقيباً من عدد من النواب حول وثيقة أرسلتها الشركة إلى «أوجيرو» تطلب فيها معلومات تتخطّى موضوع العقد بإجراء دراسة تقنية للشبكة.
ولفت كريدية إلى أن الشركة «نبّهت في دراستها من جملة ثغراتٍ في الشبكة تولّت شركة لبنانية معالجتها لاحقاً». ورداً على استفسار الموسوي عن سبب استقدام شركة أجنبية، وعما إذا كانت الشركة القادرة على إصلاح الخلل عاجزة عن تشخيصه؟ قال كريدية إنه «لو تكررت الظروف قد لا نتعاقد مع الشركة».
لم يستتشر مكتب المقاطعة في وزارة الاقتصاد الأجهزة الأمنية المعنية قبل إعطاء الموافقة على التعاقد مع الشركة


وتطرّق النقاش إلى مراسلات شبارو الذي حذّر من التعامل مع الشركة، وجرى إعفاؤه من مهامه بعد ثلاثة أشهر وتكليف مهنّد الخطيب مكانه. وفيما أكد كريدية أن شبارو «لم يكن يريد أن يراقب أحد عمله»، عُرضت مراسلة من شبارو يوافق فيها على اطّلاع الشركة على المعلومات، وعلى «إمكانية ولوج فريق الشركة إلى أي جهاز بحضور موظفي المعلوماتية، من دون أن يسمح لـACUATIVE الحصول على نسخ عن الـconfiguration files»، مبدياً اعتراضه على «سحبها وإرسالها إلى الخارج»، كما ورد في المراسلة.
وفي ما يتعلق بالتعاقد بالتراضي، أشار كريدية إلى أن «هناك موادَّ قانونية تتيح ذلك في حال وجود طابع أمني للعقد». وعن مخالفة مادة في النظام الداخلي لـ«أوجيرو» التي تحدد شروطاً للشركات المسموح بالتعامل معها، من بينها أن يكون لديها عنوان في لبنان، أجاب كريدية أن وزير الاتصالات السابق جمال الجراح «هو من طلب من الهيئة التعاقد مع ACUATIVE»، ما عدّه نواب «مخالفة للنظام الداخلي، وتدخّلاً من الجراح في عمل الهيئة المستقلة».
وسجّل كريدية تحفّظه عن مطالبة النواب رئيس اللجنة بالحصول على نسخةٍ من العقد وأخرى عن نتائج دراسة ACUATIVE زوّده بهما قرم، في حين قال الموسوي إنه يدرس طلب النواب «انطلاقاً من حقّهم بالاطّلاع على كل ما يتعلّق بالملف الذي يشاركون في مناقشته».