قبل عام، ارتعش «المعرض الفرنكوفوني» في بيروت. حاول أن يقطع مع ترسّبات النظرة ما بعد الكولونياليّة إلى لبنانَ منسلخٍ عن واقعه الثقافي، ومصالحه القوميّة، وتربته العربيّة، ليبدو نادياً مغلقاً عالقاً هنا من أيّام الجنرال غورو. تميّز برنامج الدورة الماضية بالعمق والتنوّع، والجرأة في رفع سقف النقد، والأمانة في اختيار المواضيع والضيوف… وطرح القضايا الحساسة، في الفكر والأدب والاجتماع والسياسة.
يكفي أن نذكر النقاش حول كتاب الخبير الاستراتيجي بيار كونيسّا «فبركة العدوّ، أو كيف نقتل براحة ضمير» (روبير لافون)، وكتاب المفكّر ريجيس دوبريه «شباب المقدّس» (غاليمار). خلنا أنّها الانعطافة التي طال انتظارها، تحفظ لزبائن الفرنكوفونيّة التقليديّة مكانهم، من دون أن تقصي بعد اليوم «الآخرين»: أولئك الآتين من آفاق مختلفة ليتفاعلوا مع «قيم الجمهوريّة»، ضمن علاقة تلاقح واحترام لا تقوم على الفوقيّة والوصاية، وعلى ازدراء اللغة العربيّة واقصائها.
ماذا يبقى اليوم مع افتتاح الدورة العشرين من «المعرض الفرنكوفوني للكتاب» من تلك الأوهام النهضويّة؟ يفتتح المعرض في لحظة سياسيّة حرجة في المنطقة والعالم، قامر فيها الاشتراكيّون الذين يحكمون فرنسا على صدقيّة بلدهم وهيبته، في السياسة الخارجيّة والداخليّة على السواء. الرئيس هولاند الذي انهارت شعبيّته بصورة لم تعرف لها الجمهوريّة الخامسة مثيلاً، ذهب كالكاوبوي إلى الساحل الافريقي، ليؤدّب الطغم المتأسلمة التي ما كانت لتنبت كالفطر في خاصرتنا لولا السياسة الاستعماريّة الغربيّة. زاد مالي فقراً وتمزّقاً، وعجز عن مواجهة جماعات تستعمل سلاحاً غربياً ارسل لبناء «الديمقراطيّة الليبيّة»، كما يُرسل غيره الآن لبناء «الديمقراطيّة السوريّة». النتيجة؟ تحوّلت فرنسا إلى راعية لـ«تنظيم القاعدة في بلاد المغرب الاسلامي»، إذ دفعت ٢٠ مليون يورو لاسترداد رهائنها الأربع! ومن «أكمي» إلى «داعش» تقصر المسافة. في الصراع الذي يعصف بمنطقتنا يبدو الموقف الفرنسي مخجلاً، بل مضحك، بتبعيّته الأطلسيّة التي تبقي جورج عبد الله في السجن. في تلك الأثناء تطرد الطفلة الغجريّة لويوناردا من فرنسا فترتفع شعبيّة وزيرة الداخلية!
ينطلق معرض بيروت تحت راية «كلمات الآخرين». أي «آخرون»؟ يفتح بابه للمرّة الأولى لناشرين عرب تم جمعهم في شبه «غيتو» ككائنات غريبة، وينظم قراءات بالصينيّة واليابانيّة والبرتغاليّة والانكليزيّة والأرمنيّة و… العربيّة. «غونكور» الطلاب في جامعات فلسطين والأردن ومصر ولبنان اسمه «خيار الشرق». هناك ماتياس إينار لحسن الحظ، وطيف كامو وإيميه سيزير المعرّضين لفخ الفولكلور… لكن أبرز ندوات المعرض بعنوان: «زمن الترهيب: الحرب النفسيّة التي يخوضها حزب الله»! هكذا نفبرك عدوّنا سيّد كونيسّا. ماذا تعرف فرنسا اليوم عن «الآخرين»، ونُخَبها المذعورة من زحف «الملوّن»، تتماهى مع العصبيّة «البيضاء»؟ للأسف ليس زمن «الغيريّة». نحن الذين نراهن في هذا المقلب من العالم على قيم «الجمهوريّة» الفرنسيّة، يبدو أن علينا أن ننتظر. على أمل ألا يطول الانتظار.
يمكنكم متابعة بيار أبي صعب عبر تويتر | PierreABISAAB@
1 تعليق
التعليقات
-
الصيت للالمان ولكن النازي الحقيقي هو الفرنسيلا اظن ان فرنسا كانت في تصالح مع نفسها في يوم من الايام مثلما كانت ايام حكومة فيشي. والفاشية والفيشية صنوان لا يزولان من الطبع الفرنسي. الالماني وحش قاتل والفرنسي مثله. الفرق ان الالماني يحارب الجميع فيما الفرنسي لا يتمرجل الا على الفقير والضعيف. وكما يقول الاميركان فان المانيا او اية دولة شبه قوية اخرى تستطيع ان تحتل فرنسا بالتلفون. ولكن هناك جماعة متفرنسين واخرون امهم فرنسا يطبلون ويزمرون لفرنسا ولكن من ينظر عن قرب يكتشف ان فرنسا ليست تلك الدولة العظيمة التي يتوهمها هؤلاء بل ان المعجبين ليسوا الا بدوا يعيشون في اقاصي الارض وفي جبال منعزلة عن العالم والحضارة، فما ان رأوا الفرنسي حتى انبهروا وذهلوا واستلبوا وطار عقلهم. الاعجاب بفرنسا لا يدل على رقي ولا حضارة ولا رصانة بقدر ما يعكس خفة ووضاعة وقلة اصل وانعدام افق وثقافة حتى ولو رطن هؤلاء بالفرنسية وربحوا الغونكور ودخلوا في "جوقة الشرف" مع ان فرنسا والشرف ضدان لا يتفقان. جيسكار ديستان كان مرتشيا ومنتشيا بجواهر بوكاسا، شيراك كان لصا وساركوز الهنغاري وصل الى الرئاسة على ظهر القذافي ثم قتله. وكلها ناس فاسدة ورخوة بما فيهم ديغول صنيعة المخابرات البريطانية والاميركية ليكون واجهة لحربهم مع المانيا في فرنسا لانهم بدون واجهة فرنسية فان الفرنسيين كانوا مبسوطين مع هتلر. وكانت اميركا وبريطانيا تحتقر ديغول ولا تثق به. وفعلا بعد الحرب اول زيارة خارجية له كانت لالمانيا. فرنسا في الجزائر وفي لبنان وسوريا وافريقيا وطبعا فرنسا جورج ابراهيم عبدالله. ثم ياتي معرض الكتاب الفرنسي. وحدهم المساطيل بيتاجروا بهيك بضاعة. قال شو قال؟ فرنسا. ههه!