عندما تعتريك حكّة الجلد مع تنميل متذبذب يضرب البشرة فما عليك سوى بـ: الحك والحك والحك؛ غرس الأظْفار في الجلد وإطلاق العنان للهرش، ومعناه: الحك والحك والحك حتى يكشط الجلد عن اللحم ويسرح الدم. مهما كان السبب وراء الحكة، إن كان طفيفاً سببه جفاف البشرة أو مقلقاً يؤشر إلى أمراضٍ باطنية، يبقى أنك ستتعامل مع الحكة كالمصاب بطفحٍ جلدي، أيّ: الحك كممارسة متكررة، كفعل غير واعٍ لا سيطرة لليد عليه، كتنقيب عن الدودة التي تنخر العظام، كحفرٍ حثيث في طيات المحكوك، كحكٍّ لأن لا سيطرة على الحكة بغير الحك الذي لا طائل منه في النهاية سوى النزيف. تغدو الحكة فعلاً عبثياً، فلا هي بداء ولو بدت أنها ترياق، ثم إن ما تحثّه وتستثيره، أي الحك، قوّة عمياء فارغة لا تتقصّد هدفاً سوى نفسها؛ الحك لأجل الحك.

تغدو الحكة أيضاً فعلاً عنيفاً مازوشياً، اللذة مختبئة خلف الحك متزامنة مع تقشير الجلد، لكن القناعة بأن الأظْفار وحدها كفيلة بإزالة وخز الإبر وحدّة الدبابيس العالقة على الجلد تدحضها البُقع الداكنة والمُعدية. منذ فترة وجيزة، قبل بضعة أشهر، أصيب العديد من الأشخاص في الوطن العربي بعدوى الطفح الجلدي، ولكي نكون أكثر دقة، بعارض أشبه بحكة الجلد. حدث ذلك في شهر حزيران الماضي، عندما تهافت مشتركو «أبجد» (تطبيق القراءة الشهير) على التسجيل في المنافسة التي نظّمها التطبيق تحت عنوان «تحدي القراءة»، وهو تحدٍّ يشترط قراءة أكبر عدد من الكتب المتوفرة في مكتبتهم لكي يفوز المشترك\ المنافس، وأولئك الذين يحتلون المرتبات الثلاث الأولى يفوزون بجائزة، عبارة عن جهاز قراءة إلكتروني حديث (أبلغني الصديق علي.ك أنّ جهاز القراءة هذا ثمين). ولأن «أبجد» في النهاية مؤسسة، ومثل كل مؤسسة، فالربح يعود في المجال الأوّل والأخير عليها، فقد أضاف «أبجد» إلى جانب القراءة سلسلة من الشروط الأخرى على المشترك\ المنافس، مثل الترويج للتطبيق، ومشاركة إعلان المنافسة مع الأصدقاء على فايسبوك وغيره، وهي أشبه بإملاءات ناعمة، تزوّد المنافس\ المشترك، في حال حقّقها، بالمزيد من النقاط، ما يساعده على تحسين مرتبته والتفوق على غيره من المنافسين، لكن النقاط برمّتها ستُحسب لـ«أبجد»، لأن إعلاناً غير مدفوع مصحوباً بتهويلٍ أو صيحة هو خدمة مجانية له. وقد فازت الشابة المصرية ذات العشرين عاماً أمل حسام، والمعروفة بروكسي، بالـ«تحدي»، وقد حازت على المرتبة الأولى بعد أن قرأت ما يعادل 1500 كتاب، بمتوسط 40 كتاباً في النهار أي بما يقارب العشرين ساعة متتالية من القراءة. عدا المقابلة التي أجريت معها، حيث عبّرت روكسي، أو أمل حسام، عن امتنانها لتطبيق أبجد، واصفةً لنا الجهد الدؤوب التي بذلته، حيث استعاضت عن النوم بالقراءة، مشدّدةً على أنها بذلت أقصى جهدها، حتى كادت في بعض الأحيان تنهار، بالإضافة إلى تذمّرها من حملة التنمّر التي طاولتها من المنتقدين، لا نعرف إن كانت روكسي هي أمل حسام حقاً، كما أننا لا نعرف إن كانت أمل حسام شخصاً حقيقياً بالفعل أم روبوتاً من سلالة الذكاء الاصطناعي. ذلك أن لا صورة مرفقة للفائزة بالتحدي في المقابلة، ولا أثر لها في عالم الإنترنت. لا مشكلة في الحالتين، ما هو شخصيّ هو شخصيّ، وبالتالي هو ليس من شأننا، ثم إن الشأن الذي يعنينا يسير وفقاً لجنازة بارت، حيث المؤلِّف مات وما نبتغيه يجب أن ينصبّ على المؤلَّف، وعليه، ما يهم مقالتنا ليس القارئة بحد ذاتها إنما القراءة بذاتها، وكيف تحوّلت مع «أبجد» إلى ضرب من ضروب المازوشية، إلى شيء أشبه بالحكة المزمنة التي تصيب من يشعر بالطفح الجلدي أو يستشعر به.
على أن القراءة كحكّة أو كطفح جلديّ هي بطبيعة الحال ممارسة عبثية فارغة، فستكون مناقشة عبثيتها عبثية. فالقراءة هاته أشبه بتمرير العيون سهواً وليس تربصاً على الصفحات، وهو ما فعلتهُ مرتين أو ثلاثاً في المقهى مع «الرفيق» خليل، قبل أن أتوقف، لأن شعوراً بـ«إهانة القراءة» قد أطاح بي، وقبل أن أنتبه إلى أن من يتعامل مع القراءة كحكّة، أو القراءة كماراثون حيث المكتبة بالنسبة إليه أشبه بحلبة الجري السريع، فإن مصيره حتماً التشنج العضلي وترهل العظم، وهو ما أعاني منه أصلاً، كما أن أغلب الذين يعتمدون القراءة كحكّة ينتمون إلى نادي الكتب التي نصح العزيز يوسف شرقاوي في مقالته لهذا العدد («كتب عليك أن لا تقرأها في حياتك») تجنّبها.
لقد انتبه الكاتب شادي لويس في مقالته الصادرة في «المدن» («أبجد» والهيبرلكسيا ومَشانق القراءة) إلى العنف الذاتي جرّاء إفراط القارئ في القراءة، واصفاً الظاهرة بمجازٍ بليغ: «مشانق القراءة»، مستبطناً استعاراته من الرهبان الأقباط حين كانوا يلفّون أعناقهم بحبال كي توقظهم في حال غلبهم النعاس وهم يقرأون: «واحدة من الصور التي لا يمكن نسيانها عند زيارة قلايات الرهبان في الأديرة القبطية، مظهر حبل معلق في السقف متدلٍّ فوق كرسي القراءة. كان الراهب يربط خصلاً من شعره الطويل بذلك الحبل بحيث يكون الحبل مرخياً بشكل مريح للراهب طالما أنه في وضع القراءة، لكن، إن غالبه النعاس للحظة وهو يلهج في الكتب المقدسة، فمع انحناء ظهره وارتخاء رقبته، سيجذب الحبل شعر رأسه المتدلي بعنف إلى أعلى، فيوقظه حتى يعود إلى لهجه. تخيّلت دائماً ذلك الحبل جديراً بتسمية: «مشنقة القراءة»». والمشنقة يصح حضورها هنا رمزياً. فللمشنقة أساساً، دلالة فائقة الفظاعة، إذ غالباً ما تشير إلى العقاب: «تعليق المجرم شنقاً على المشنقة». فهي لا تشير إلى الموت فحسب بل إلى التعذيب الذي يسبق الموت\ القتل، هي إذاً مصير المعاقب في القتل وفي التعذيب. في سياقٍ آخر أكثر مأساوية وشاعرية فالمشنقة تحيل إلى الانتحار، وهو في حال من الأحوال، عقاب ذاتي يمليه الفرد على ذاته. بيد أن «أبجد» قد جمع الحالين معاً، ذلك أن القراءة كحكّة هي أولاً وأخيراً قراءة ميّتة لا فائدة منها سوى إقدام القارئ\ الحاكّ على تعذيب نفسه، وهي، فرويدياً، نوع من التدمير الذاتي أو نزهة غير واعية باتجاه الموت. ثم إنّ لفظ «تحدي» في عنوان «تحدي القراءة» فيه تلميح إلى دلالة المشنقة؛ فالتحدي هو دعوة إلى التباري، هو المواجهة والمجابهة، فأن تخرج من التحدي خاسراً، خالي الوفاض، هو أشبه بتعليق كل ما بذلته على حبل المشنقة، فيما التحدي يشي بسمات الفتوّة والغلبة، وهو يصلح في صحراء الويسترن بين مسدسين ويمكث بعيداً عن مدينة القراءة.
من خلال «أبجد» إذاً، وليس منه بل عبره، يلج سؤال القراءة ويطرح نفسه، هو ليس سؤال الكليشيه المعتاد: «ما هي القراءة؟»، لأن القراءة باختصار، وبدون استحضار التنظير السقيم لألبيرتو مانغويل وتأويلاته المضجرة عن «أليس في بلاد العجائب»، هي رحلة غير آمنة تتطلب جهازاً عصبياً صلباً غير قابل للتلف السريع ولطفرات حكة الجلد الناجمة عن هشاشته. يمكنك استشفاف هذا إن قرأت الصفحة الأولى من كتاب «الوجود والعدم» لسارتر. إن العنف الذاتي الذي مارسه الرهبان الأقباط، كما ذكر لويس، ينتمي في شكل من الأشكال إلى طبيعة القراءة نفسها، فالقراءة عنيفة بجوهرها، حيث التأني والتحمّل والشقاء من فروض القراءة ذاتها، وهي لا تأخذ عنف القارئ تجاهها وعليها، على محمل الجدّ. غير أن هذه القراءة أو القراءة عموماً لا تلتفت إلى ربح جهاز قراءة حديث (وثمين كما قال لي الصديق علي.ك) ولا إلى التحدي، وهي بريئة من وظيفتها كأداة تعذيب أو ميدان مفتوح لتفريغ «رغبات الموت» حتى ولو جلبت للقارئ الكثير من الإرهاق والجلبة. السؤال ينطوي على وظيفة القراءة اليوم، خصوصاً في عالمنا العربي الغارق في قراءة كف اليد، وفناجين القهوة، وكتب الأبراج، ويطاول طبيعتها، أي القارئ الذي ينحو إلى قراءة المباشر عوضاً عن تفكيك الإيماء. ما هي وظيفة القراءة اليوم؟ وإن كانت هناك جائزة مثل نوبل تعطى للقرّاء، هل كانت أمل حسام، المعروفة بروكسي، ستفوز بها؟
إذا كانت الفلسفة مع كارل ماركس قد انعطفت من تفسير العالم إلى تغييره، فعلى القراءة اليوم أن تعيد لنا تفسير العالم من جديد، خصوصاً أن حاضرنا كناية عن «تاريخ» مزدوج، فيه تجتمع قنبلتا المأساة والملهاة، وهما جاهزتان للانفجار في أيّ لحظة. وحدها القراءة كفيلة بأن تخبرنا بأن انفجاراً كهذا في حال حصل سيكون انفجاراً مدوّياً، وهو ليس حصيلة مفرقعات، وأن الانفجار الحاصل هو جراء اصطدام قنبلتَي: المأساة والملهاة، والسبب في ذلك يعود إلى: تَك، تَك، تَك. فإذا حدث ذات مرةٍ سوء فهم للعالم ولأحواله، فعلى القراءة تقويض هذا الفهم، وتدمير قوانينه، والبحث عن عالمٍ جديد. هذا يعني أن هناك فائضاً من الجدوى والمعنى في القراءة، وأنها ممارسة أبعد ما تكون عن العبثية، بالأحرى العدمية، التي سوّق لها «أبجد». فوظيفة القراءة إعادة الدهشة في نزع الرتابة والألفة عن المألوف، وبدونها لا يمكن فهم أن الديكتاتور هو ديكتاتور لأنه يرى المشنقة كحبلين ملتفّين على شاكلة قلب. إن معظم نقاد الأدب يتفقون على عدم إعطاء أهمية لـ«أمانة» الكاتب وعدم إضفاء أهمية على «موضوعية» الأحداث الواردة في الكتب. هذا يعني ألّا نقرأ الأدب كما نقرأ تقارير الجرائد أو كتب التاريخ بل التعامل مع الرواية\القصة كعالمٍ قائم وأخذ هذا العالم على محمل الجدّ، فما هو مهم، كما يقول د. ه. لورنس أن لا نثق بالراوي بل بالرواية. فمساءلة الكاتب عن أحداثه ومقارنة شخوصه مع أشخاص عالمه لهما محاكمة سمجة وطفولية، فبدلاً من الاشتغال في النص ومعاينة عناصره يصبح الكاتب هو الديكتاتور الشاغل. هذا النوع من القراءة يخرج من ثنايا «التحدي» فهي قراءة راجفة، مطاردة بشبح «الشخص\المرجع»: هي تنصّب المؤلف سلطة عليها وتناكفه في الوقت عينه. يحضرنا هنا مثل الابن الضال، فالأخير بعد أن فقد ثروته عاد إلى أبيه نادماً على فعلته يطلب منه التوبة، لكن الابن الضال كان، بتبديده ثروته، يبحث عن تحقيق نفسه في كنف (سلطة) أبيه، وحين أخفق في تحقيق نفسه وشدّ الانتباه إليه، عاد إلى أبيه مذعناً. القراءة كحكة هي سيرة الابن الضال نفسه، حيث القارئ يبحث عن الجامد عوّضاً عن السائل المتخيل لأنه فاقد لخياله، وبفقدانه لخياله فهو فاقد لنفسه. بيد أن وظيفة القراءة ليست البحث عن الأب والانضواء تحت ذراعيه بل قتله. هي قطيعة تامة مع المرجع، لأنه بدونها ستبقى تماثيل الطغاة مشيّدة في قرى تُسمى زوراً بالمدن، وسيبقى الخيال مغلقاً، حيث الشرير هو تجسيد بهيّ لـ«يوحنا المجنون» بطل (؟) كتاب جبران خليل جبران «عرائس المروج».
عندما قرأ كولن ويلسون «أدب القرن العشرين»، وهي قراءة اشترطت عليه التورط في آلاف الكتب والأبحاث والأطروحات، وخرج بخلاصة أن «اللامنتمي» هو شخصية العصر، فإنه لم يكن في معترك «التحدي» مع غيره وإشهار «مسدس معرفته» على باقي النقاد والمنظّرين، إنما كان يتفحص العالم عن قرب وينظر إلى المرء عن كثب. النظر إذاً وليد القراءة، واسترداد الدهشة مقرون بتفعيل الخيال الذي هو رهن الرؤية، لذلك إن القراءة هي، كما عنون رشيد الضعيف روايته، «الوجه الآخر للظل»، وهي نور لكنه ربما ليس مشعاً، لكن القراءة تسمح باكتشافه.
لو سارت القراءة بالطريقة عينها التي سارت في «أبجد» بدون تحديه وشروطه، فكنا على الأرجح سنشهد على موجات أدبية وفنية وسياسية طليعية جديدة، لكن جهاز قراءة حديث (ثمين كما أفصح صديقي علي.ك) مستورد من اليابان كان يعادل كل هذه القراءات. ومن المحتمل أن أمل حسام، المعروفة بروكسي، قد قرأت في غضون ثلاثة أشهر (عمر التحدي) أكثر مما قرأ جاك ديريدا في حياته. لقد سأل صحافياً كان بصحبة جاك ديريدا إن كان قد قرأ جميع الكتب الموجودة عنده في المكتبة وبعد أن مروا من أمامها، ليرد عليه بأنه قرأ القليل منها، أو بعضها، لكن الكتب التي قرأها فقد قرأها بعنايةٍ شديدة. فإذا كانت وظيفة القراءة تقتضي «خلخلة الحواس» بتعبير رامبو، مثل شحن الرؤية وتعويم السمع، فعلى القارئ إذاً أن يكون محصناً من طفرة القراءة كحكّة وعلى تماس مع ما أسماه ماكسيم ديكو «القارئ السيّئ» في كتابه «في مديح القارئ السيّئ». والعنوان الذي ينطوي على مفارقة لا يدلّ بتاتاً على القارئ الحاك، الذي هو قارئ سيّئ بالمعنى المبتذل، فالسيّئ عند ديكو هو المشاغب الذي لا يحترم الحدود بين عالم الواقع وعالم القراءة، ويتماهى إلى حدّ الهوس مع أبطال وشخصيات ما يقرأه. و«القراءة السيئة» قوامها باختصار التناص كاستراتيجية، فالقارئ السيّئ هو مثلما عبّر امبرتو ايكو «لا يقرأ خطياً» بل قراءته «مضلّلة» وفقاً لتعبير هارولد بلوم أي إنها مثل الكتابة، قائمة على الحذف والشطب، في الانتقال من مقطعٍ إلى آخر أو ربط الفصل الأخير بالفصل الأول بدون المرور بالمنتصف: «إنك حين تمسح أجزاء ومقاطع من النص فإنك تكون عرضة لأن تشوّه بعض المواقف والأوضاع، لاستبدال الأحداث، والمشاعر والأحاسيس، والحركات والإيماءات، وحتى الشخصيات، بأشياء أخرى. ولكنك إلى ذلك توفر فرصة ذهبية لعيوب النص ونقائضه كي تغدو ذات جدوى ولتناقصاته لأن تتقوى وتتعزز. إنك تجعل النص مختلفاً كل الاختلاف. وبتعبير أدق: إنك تنهض بآخرية أي نص على أكمل وجه وإلى أقصى درجة». والقارئ السيّئ هو الذي يقرأ بـ«رأس مرفوع» أي يسهو بينما تتداعى أحداث وأفكار ما يقرأه وتختلط مع أفكاره، هو المحايث في قراءته ويمارس حريته في أقصى حدودها حيث يقوم بتحوير القصة التي يقرأها بناءً على تأويله لها، فقط لأنه حرّ، لذلك يحق له أن «لا يولي وجهه شطر سوليفان وموبي ديك إلا خلسة، لينضد نصه ويركّبه قطعة تلو قطعة بادعائه التعهد والالتزام بينما لا يبحث، في حقيقة الأمر، سوى عن شيء واحد أوحد: أن يحرر نفسه منه ليقود دواين إلى نيو مكسيكو فيجعله يختفي حتى لا يستعيد مغامرات الأدب الأميركي المتخيل وإنما نماذجه الفعلية أي شبحا جيم سوليفان وموبي ديك». لذلك، وفي مسار معاكس لعالم الكتاب في إعادة كتابته من جديد انطلاقاً من الوضعية الواقعية للقارئ، بل في مسارٍ ينشأ في العالم الحقيقي من خلال مسحه أدبياً، وهو ما يحكي عنه ديكو في كتابه أيضاً محيلاً إلى دون كيخوت، فعلى القارئ أن يخلط المجاز والاستعارة مع قهوته وإلا فستكون قراءاته ناشفة، كالبشرة الجافة، ويمارس القراءة كحكّة.
ينقلب ديكو على مفهوم «السيّئ» ليقبض عليه بعد تفكيكه متبنياً معناه الجديد، وهذا نوع من القراءة يتماهى مع كاتبها، وهو أمر غير خفيّ خصوصاً أن الكاتب\ القارئ السيّئ قد مدح قراءته وكل من يسير على نهجها. انزياح معنى «السيّئ» هو نتيجة القراءة التي تشرّع أبواب التجديد، وتحطيم الرتابة بينما نحن بعيدون عن هذا السيّئ الجميل، بل نتهاوى من سيّئ إلى أسوأ، ذلك لأننا إما نقرأ خطّياً أو لا نقرأ على الإطلاق، على أن تحدي «أبجد» الشاق مكتوب بأنماط العيش، فيما المازوشية الممارسة هناك نقرأها في الحروب الأهلية.