يُقال إنّ الحسّ المشترك هو القاعدة الأساس التي اتُفق عليها أن تكون نقطة مركزية، عمومية وجامعة. مثلاً أن تكتفي بالقهوة صباحاً وأن لا تحتسيها مساءً. أن تكون مواطناً صالحاً فلا ترمي قشر الموز من النافذة، وأن تذهب إلى صناديق الاقتراع وتنتخب لتضمن فوز الأجدر في تحقيق المصلحة العليا، مقولات كهذه تندرج في ما نسميه الحس المشترك. لكن يبدو أنّ ما أُجمع عليه باعتباره أمراً مسلماً به بات بنطالاً ضيقاً لا يناسب موضة العصر. يوماً بعد يوم، يتّضح أن هذا الحسّ المشترك الممسك من أطرافه، يُخرَق وبضميرٍ مرتاح، في العلن أو بالخفيّ المستور، خلسةً من خلال المواربة أو عبر التحدّي الواثق، هو ملتبس إذاً، فإذا ما تعرّض بدوره للخلخلةِ غالباً ما يعرّض المتمسكين بصلابته، ونقائه، إلى مواقف تؤدي إلى الجفول والتردد، والعدمية. يطرح «إنما» في هذا العدد مواضيع اعتراها الالتباس، إذ إنّ نقطة الانطلاق الأساس هي نتيجة خللٍ، أو تهديدٍ، أصاب الحسّ المشترك: عن التفاهة التي نعتبرها تفاهة وحسب، عن صناعة الأسماء، عن دور التيك توك (الذي نستسخفه باعتباره تطبيقاً مسفّاً) في تشويه الإنسانية وتشكيلها في الآن عينه، وعن صخرة سيزيف الثقيلة والعبثية إزاء تبليط البحر. هنا كل ما أورثنا إيّاه الحسّ المشترك، هو ما سنطرحه عليكم.
(تصميم: هاشم رسلان)