رغم كون التاريخ البشري حافلاً بالسيوف والدم والرؤوس المقطوعة، إلا أن أكثر فصوله ظلمةً نجدها في حقبات تفشّي الأمراض وسيطرة الأوبئة على الأماكن الحيوية كالمدن. واحدة من هذه الحقبات التاريخية القاتمة تسمّى بـ«الموت الأسود»، حيث غزا مرض الطاعون أوروبا عام 1347، واستمر تفشيه لمدة خمس سنوات، تسبّب أثناءها بمقتل ما لا يقل عن ثلث القارة. والطاعون مثل إسرائيل، جرثومة خطيرة، بمجرد الإصابة بها تودي بالمصاب إلى الموت. ينجم الطاعون عموماً من لدغة البرغوث أو من عضة الجرذ، أي من كل ما هو مضر وعليل وسقيم؛ من سلالة القوارض التي ينبذها الإنسان، لأنّ نظامه الصحي غير قابل تحمّلها ولا التفاعل معها. والطاعون بالغ الخطورة وسريع الانتشار، لا يتوانى عن تحويل الأجساد إلى جثث، هو آفة مدفوعة بقوة الموت، تطارد الأرواح وتجعل من المدن مقابر جماعية.
تصميم: هاشم رسلان

لا فرق إذاً بين الطاعون وإسرائيل، ليس لجهة التعريف فقط، بل من ناحية أنّ «الموت الأسود» يوحدهما، فعداءهما تجاه الحياة لا لبث فيه. وكونهما من الطفيليات التي تعيش على قتل غيرها، فإن استهدافهما لجهاز الصحة هو جوهر وجودهما.
بعد استهدافها لمستشفى المعمداني، أكملت إسرائيل محرقتها وقصفت جميع المراكز التي تمدّ الغزيين بالحياة: المخابز، المدارس، المستوصفات، المعابر، الجامعات... وطبعاً، جميع المستشفيات الأخرى الموجودة في قطاع غزّة. ينتشر الوباء ولا أحد يردعه، لا لقاح، لا مضادات التهاب، لا جامعة عربية، ولا ضمير إنسانياً متنوّراً. واليوم، تقف الدبابة الإسرائيلية ومعها عدد هائل من الجنود، يحاصرون مستشفى الشفاء بذريعة أن مركز قيادة المقاومة الفلسطينية موجود في الداخل. الناطق باسم الدبابة يشدّد على أهمية القضاء على حماس لأنها، وفق قوله، بؤرة خطيرة وجب استئصالها، فبالنسبة إليه إنّ كل شكل من أشكال الحياة هو إرهاب، فماذا تتوقع؟ أن تكون دبابته دواء العصر؟
تواجه مستشفى الشفاء لوحدها خَبَل العالم، وتتعرض لهجمة ساحقة من وباء قاتل يسحره مشهد الفناء. مستشفى الشفاء التي لا نعلم عن حاضرها شيئاً سوى أنها قلعة صامدة بوجه وباء العصر، تحارب لوحدها «الموت الأسود». أما بعد، فإنّ انتصارها، شفاءٌ للإنسانية جمعاء.