«قوس النصر» استقبلت حامل نهج «التغيير» في السياسة الأميركيّة لعقد شراكة جديدة في العلاقات عبر الأطلسيبرلين ــ غسان أبو حمد
ما أن دقّت الساعة العاشرة قبل ظهر أمس، حتى شوهدت طائرة «بوينغ ـــــ757» تحط على المدرج العسكري لمطار «تيغل» في برلين، كُتب على جناحيها وذيلها «OBAMA - ONE» مضافاً إليه تعبير: «change we can believe in» وهو الشعار الرئيسي لحملة المرشح الديموقراطي.
وصل باراك أوباما إلى ألمانيا آتياً من رام الله والقدس المحتلة، وأجرى محادثات مع كل من المستشارة أنجيلا ميركل (التجمع المسيحي الديموقراطي) ووزير الخارجية فرانك شتاينماير (الحزب الاشتراكي الديموقراطي)، أرادها أن تحمل شعار «نهج التغيير» في علاقات «عبر الأطلسي» بالانفتاح على أوروبا وإبرام عقد شراكة فعالة معها.
ووُصفت هذه المحادثات بأنّها كانت «صريحة وواضحة جداً، وتناولت مواضيع السلام والأمن في العالم». وأشارت وسائل الإعلام إلى أن جوهر محادثات أوباما مع المسؤولين الألمان تناول مدى قدرته على إحداث تغيير في النهج السياسي لبلاده في حال وصوله إلى الرئاسة، ولا سيما في العلاقات الأوروبية ـــــ الأميركية والعمل على توفير السلام العالمي والمباشرة بسحب الجنود الأميركيين من العراق، وبالتالي توحيد السياسة الخارجية مع الاتحاد الأوروبي لفرض نهج الحوار.
وقال المتحدّث باسم الحزب الاشتراكي الديموقراطي، غيرد فايسكيرشن: «موضوع سلامة البيئة والعلاقات الأميركية ـــــ ودول عبر الأطلسي استحوذت على المحادثات مع الرسميين الألمان». وأضاف: «أوباما يسعى إلى بناء علاقة سياسية خارجية مختلفة تماماً عن العلاقة التي يقودها اليوم الرئيس الحالي جورج بوش».
أما المتحدث باسم «التجمع المسيحي الديموقراطي»، إيكارت فون كلايدن، فرأى أنّ خطاب أوباما أمام «قوس النصر» تناول الناخبين في الولايات المتحدة أكثر من الأوروبيين والألمان.
وعبّر عن رغبة الجبهة المحافظة «عدم التغيير» في سياسة أوباما، وهو عكس ما تتمنّاه جبهة الأحزاب المعارضة (الاشتراكيين الديموقراطيين، وحزب «البيئة ـــــ الخضر») التي توقعت حصول تغيير جوهري في السياسة الأميركية تصب لمصلحة سلامة الإنسان والبيئة، وتسعى أيضاً، إلى توحيد السياسة مع الاتحاد الأوروبي، والعمل سوية لتوطيد الأمن والسلام ورسم سياسة اقتصادية عالمية موحدة ومكافحة الإرهاب.
من أفغانستان حتى ألمانيا، تميّزت جولة أوباما بالإجراءات الأمنية المشدّدة. أمس كان دور برلين، حيث طوّق الأمن ساحة «قوس النصر» في وسطها، وسدّت جميع الطرق المؤدية إليها. وكان هناك أكثر من 700 جندي معظمهم من قوة «الوحدات الخاصة»، المدرّبة على تفريق التظاهرات، ضربت طوال اليومين الماضيين طوقاً أمنياً، شبيهاً بعظمة «جدار برلين» التاريخي، وفي دائرة بلغ قطرها 300 متر رسمته على الأرض حول قوس النصر بلون أحمر لمنع اختراقه، كما حظرت على المواطنين المتجولين في محيط المكان حمل الأكياس والعلب وكل ما يثير الشبهة، فقط الألبسة العادية الخفيفة مسموحة، (هذا هو تعليق التلفزة الألمانية). ولم تمنع هذه الإجراءات المرئية في المجال الأمني من استهداف الاتصالات الهاتفية والإلكترونية، والمراقبة السرية لبعض المنازل والأماكن المشبوهة.
ورغم التشدّد الأمني، تمكّن مواطن ألماني من اختراق هذا الطوق الأحمر، ووجّه بيده قبلات إلى الصحافيين والمصورين المجتمعين حول «قوس النصر»، دلالة على استيائه ورفضه لهذه الزيارة، فطاردته القوى الأمنية وألقت القبض عليه، فتبين أنّه مواطن ألماني معارض للسياسة الأميركية في العالم.
لم يكتفِ أوباما بما فعله في القدس المحتلة من تملّق ومحاباة للمسؤولين الإسرائيليين استجداءً لأصوات الناخبين اليهود الأميركيين واللوبي الصهيوني، بل تابع المسلسل نفسه في ألمانيا أيضاً، حيث كانت آثار المحرقة اليهودية «الهولوكوست» إحدى المحطات التي زارها، إضافة إلى المخفر الأميركي «شيك ـــــ بوينت شارلي» على بوابة «برلين الشرقية»، قبل أن يطل على الجماهير الألمانية تحت «قوس النصر» التاريخي الذي عادة ما استضاف الرؤساء فقط.
لكن الرؤساء الأميركيين السابقين تحدّثوا أمام قوس النصر التاريخي يوم كانت برلين منقسمة سياسياً ومركزاً للنزاع بين الشرق والغرب. أما أمس، فقد تحدث باراك أوباما أمام مكان يهدف للوحدة ويرمز إلى التعاون الناجح، وفي المقام الذي اعتلاه «بشرف الخطابة»، بدا متواضعاً قائلاً: «لقد كانوا رؤساء، أما أنا فمواطن عادي».
وكان أوباما قد اختتم زيارته لإسرائيل بلقاء مع رئيس الحكومة إيهود أولمرت ليل أول من أمس. وأشارت وسائل إعلام إسرائيلية إلى أن أوباما أوضح خلال لقائه أولمرت أنّه يعتزم التعامل مع الملف الإيراني من خلال التنسيق مع إسرائيل وإشراكها في عملية صناعة القرار بخصوص إيران.
ونقلت عن أولمرت قوله لأوباما إن «الخطوات التي تُتخذ اليوم ضدّ إيران ليست كافية، وبين هذه الخطوات وهجوم عسكري شامل، ثمة مكان لسلسلة خطوات فعالة أخرى، وينبغي العمل بسرعة، من دون إزالة أي خيار عن جدول الأعمال». وترك أوباما انطباعاً لدى أولمرت بأنه يدرك جيداً إشكالية الموضوع الإيراني.
وعرض أولمرت المفاوضات بشأن قضايا الحل الدائم، باستثناء قضية القدس المحتلة، مشيراً إلى أنها ليست مطروحة بعد على جدول أعمال المفاوضات. وقال عنها أوباما أول من أمس إنّها «ستكون عاصمة إسرائيل».
وأصدر مكتب الرئيس محمود عباس في ما بعد بياناً أشار فيه إلى أنّه لم يطرح موضوع القدس مع أوباما.
كذلك تناول لقاء أوباما وأولمرت الوضع في قطاع غزة، والجندي الإسرائيلي الأسير جلعاد شاليط. وأعرب أولمرت لأوباما عن قلقه من «عمليات تهريب الأسلحة لحزب الله في لبنان» عبر سوريا، وأطلعه على وضع المفاوضات مع وسوريا.