عودة النقاش عن فشل اندماج الأجانب ومخاوف من تدخّل القضاء في تفاصيل العلاقات الزوجيّة
باريس ــ بسّام الطيارةقرار اتّخذته داتي لتهدئة موجة استنكار علت من أقصى اليمين المتطرف، الذي رأى في هذا الحكم «بداية لأسلمة فرنسا»، إلى أقصى اليسار الذي أشار إلى «انزلاق المجتمع الفرنسي» نحو هاوية المحافظين الجدد، مروراً بالوسط الذي رأى في هذا الحكم نتيجة للجوّ الضاغط «وانعدام تكافؤ الفرص» الذي يقسّم المجتمع الفرنسي ويمنع انصهار الجاليات، وخصوصاً المسلمة منها.
وتعرف فرنسا ١١٠ آلاف حالة طلاق سنوياً، يتدخل القضاء فيها لتنظيم حسن «حل الخلية الزوجية»، وخصوصاً بهدف حماية الأطفال من انعكاسات فكّ الرباط العائلي بين الأب والأم، إذ يبلغ عدد الأطفال الذين يمرّون في مثل هذه الحالات نحو ٧٢ ألفاً.
ويسهّل القانون المدني عملية الطلاق وإبطال الزواج المبني على «حالة عقد واتفاق» مثله مثل أي عقد تجاري يربط بين شخصين أو كيانين قضائيين. بالتالي، فإنّ الطلاق والزواج، ليس بالأمر المعقد في المجتمع الفرنسي عموماً، ولا حسب القوانين المرعية الإجراء في خصوصاً. ومعظم حالات الطلاق تكون بالتراضي والتوافق، وإن تدخّل القضاء، فهو للفصل بين الحقوق المادية للمنفصلين في أغلب الأحيان.
وحتى في الحالات الصعبة جداً مثل عدم قبول فرد من الزوجين للطلاق، فإنّ اللجوء إلى المحاكم لا يهدف إلا إلى «تسريع عملية الانفصال القانوني».
وفي معظم الأحيان، فإن الطرف الزوجي الذي يرفض الطلاق، يكون «لاهثاً وراء الوقت»، إمّا من من أجل إيجاد زوج أو زوجة بديلة، أو بسبب تقدمه في السنّ والرغبة برفع الشوائب عن حياته. ولا يتعدّى عدد هذه الشكاوى سنوياً ٧٠٠ زواج يُبطَل فيها القران بحكم قضائي مبرم لأسباب متنوعة في مقدمتها «غياب عوامل الشفافية وحسن النية عند إبرام العقد»، بكلام آخر، بسبب إخفاء أحد الزوجين معلومة يمكن أن تكون «عائقاً أمام بناء شراكة مبنية على الثقة»، بحسب ما يرد في معظم هذه الأحكام.
ويمكن وضع الحكم الأخير الذي قضى بإبطال الزواج بسبب «غياب عذرية الزوجة» في هذه الخانة.
ودفع هذا القرار القضائي بمحامي المطلَّقة، شارل إدوار موجيه، إلى التساؤل في أكثر من صحيفة عن جدوى هذه الدعوة «التي تعيد فرنسا إلى العصور الوسطى».
ويشير أكثر من مراقب إلى أنّ خطر هذا الحكم على المجتمع لا تعبّر عنه النتيجة التي أفضت إلى الطلاق، بل «الترويج لهذا الاحتمال الذي يرفع ستار الخفر والحياء عن العلاقة بين الزوجين»، ويجعل المحاكم تنغمس في «طيات الحياة الخاصة للأفراد»، وهو ما كان المجتمع الفرنسي يرفضه بشدّة.
ورأى موجيه، في حديث لصحيفة «لوبارزيان»، أنّ «ثقل بعض عادات الجاليات يدفع إلى الكذب» (في إشارة إلى تأكيد موكّلته المطلَّقة لزوجها السابق أنها لا تزال عذراء). ويرى أنه كان يمكن أن يطلب الزوج الطلاق «من دون هذا التطبيل الإعلامي»، بما أنّه ليس في فرنسا أي عائق يحول دون إتمام عملية الطلاق «حتى من دون أيّ تبرير»، وخصوصاً حين لا توجد انعكاسات مالية كبرى مثل ما هي الحال في القضيّة المطروحة.
إلا أنّ أكثر من مراقب لأوضاع الجاليات المسلمة في فرنسا، ولأنشطتها في الضواحي وفي تجمعات المهاجرين، يقول إنّ الجو العام المنغلق داخل هذه المجتمعات «يضغط باتجاه عودة نحو الأصول»، وإنّ ردة الفعل الأولى على عدم الاندماج بالمجتمع الفرنسي تكون في اندفاع أكثر نحو «تطرف في الممارسات الاجتماعية للتمايز»، من خلال استعمال رافعات المجتمع الفرنسي حتى ولو أفضى الأمر إلى نتائج تخالف التوجهات العامّة لهذا المجتمع.
ويلفت المتابعون لهذه «الحادثة» إلى نتيجة مباشرة لعدد من «إشارات دعم التطرف الديني عبر دعم الجاليات وتمايزها عوضاً عن دعم انصهارها». وفي هذا الكلام انتقاد مباشر للتوجهات التي أطلقها الرئيس نيكولا ساركوزي حتى قبيل وصوله إلى الإليزيه.
وقد تكون هذه الاتهامات وراء «الضغط الذي مارسه القصر الرئاسي» على الوزيرة داتي لتغيّر موقفها من القضيّة، بعدما كانت من القلائل الذين «أيّدوا الحكم القضائي»، لأنّه ــ حسبما صرحت به ــ «يحمي الشخص الذي أراد التخلص من هذا الزواج».
ويتّفق الخبراء على أن نظرة المجتمع الفرنسي لهذا الحكم وشجبه له، لا يتوافق مع المنظور الذي تحمله بعض الأوساط العربية أو المطلعة على حقيقة «البعد الطقسي المرتبط بمطلب العذرية». فكل ما يهم المواطن الفرنسي هو إبعاد فضوليّة القضاء عن طيّات حياته الشخصية. بينما ترى بعض الأوساط المحافظة في هذا الحكم «بداية لتبني وجهات نظرها» في ما يتعلق بتنظيم حياة المجتمع.