عبّاس مع «التعالي على الجراح لصنع السلام»... والفصائل «تتمسّك بالثوابت»رائد لافيرام الله ــ أحمد شاكر
حيفا ــ فراس خطيب

أحيا الفلسطينون أمس في قطاع غزّة والضفة الغربية والأراضي المحتلة العام 1948 الذكرى الستين لنكبتهم واحتلال أراضيهم، حيث دعا الرئيس الفلسطيني محمود عبّاس إلى مصالحة تاريخيّة بين الفلسطينيين والإسرائيليين و«التعالي على الجراح».
وعكست الأوضاع المعيشية الصعبة في قطاع غزة آثاراً سلبية على فعاليات إحياء يوم النكبة، التي شهدت مشاركة جماهيرية متواضعة مقارنة مع الأعوام السابقة، جراء الحصار المشدد المضروب على القطاع، والخلافات الحادة بين حركتي «فتح» و»حماس».
الانقسام بين الحركتين لم يعد سياسياً فحسب، وبات بعد نحو عام من سيطرة حركة «حماس» على القطاع متغلغلاً في تفاصيل الحياة اليومية، وحتى في المناسبات الوطنية التي لم توحد الفرقاء. حركة «فتح» نظمت مسيرة في مخيم جباليا شمال القطاع، ومثلها فعلت حركة «حماس» بتنظيم مسيرة منفصلة قرب معبر بيت حانون «إيرز» هدفها ليس إحياء النكبة فقط وإنما كسر الحصار.
وكانت المناكفات حاضرة في ذكرى النكبة، إذ اتهمت «فتح» مسلحين من «حماس» والأجهزة الأمنية التابعة لها بقمع مسيرتها في مخيم جباليا، وإصابة 30 مشاركاً بعد الاعتداء عليهم بالضرب، واعتقال العشرات بعد اقتحام منازلهم.
وشارك المئات من أنصار حركة «حماس» في مسيرة لإحياء ذكرى النكبة وللمطالبة برفع الحصار عن غزة، حالت قوات الاحتلال دون وصولها إلى معبر بيت حانون الفاصل بين القطاع وفلسطين المحتلة عام 48. وقال مشاركون في المسيرة إن جنود الاحتلال المتمركزين في المعبر فتحوا النار فوق رؤوس المشاركين في المسيرة لدفعهم للتراجع، من دون وقوع إصابات.
ودعا النائب عن حركة «حماس» فتحي حماد، خلال المسيرة، مصر إلى عدم الانصياع «للاملاءات الأميركية والإسرائيلية» وفتح معبر رفح، مشدداً على أن «شعبنا لن ينتظر حتى يموت جوعاً في سجن غزة».
وأصدرت الفصائل الوطنية والإسلامية بيانات منفصلة شددت فيها على التمسك بالثوابت الوطنية، وحق عودة اللاجئين الذي يمثل عصب القضية الفلسطينية، داعية إلى استغلال ذكرى النكبة لاستعادة الوحدة الوطنية.
وأطلقت في مخيم قلنديا شمال القدس المحتلة ومدن الضفة الغربية أمس، آلاف البالونات السوداء التي تحمل رسائل أطفال فلسطين وشعبها إلى العالم في الذكرى الستين للنكبة، متزامنة مع ارتداء الفلسطينيين الملابس السوداء للتذكير بمعاناتهم المستمرة وليؤكدوا أن لا داع للاحتفال، وأن ستين عاماً على تأسيس إسرائيل يجب أن تذكر بأن الملايين من سكانها الأصليين أصبحوا مهجرين ونسيهم العالم، وغيب ضميره عن معاناتهن وآلامهم.
وشهد حاجز قلنديا انتشاراً عسكرياً مكثفاً لقوات الاحتلال، لمنع المواطنين من إطلاق البالونات وإحياء ذكرى النكبة وأطلق جنود الاحتلال الغاز المسيل للدموع، والرصاص المطاطي لتفريق المتظاهرين.
واتشحت الصحف الفلسطينية بالسواد وخصصت ملفات وملاحق خاصة بذكرى النكبة الستين، وامتلأت صفحاتها بالتقارير والقصص الصحافية التي تعيد للذاكرة معاناة شعب ووجع كل فرد لا زال يحمل مفتاح العودة ويرفض التنازل عنه.
وفي خطاب للمناسبة، دعا الرئيس الفلسطيني إسرائيل إلى «الاستجابة لنداء السلام وتحقيق المصالحة التاريخية لإشاعة الأمن والاستقرار في المنطقة»، مشدداً على أن أمن إسرائيل مرتبط باستقلال الشعب الفلسطيني وإنهاء نكبته.
وأكد عباس، في كلمة متلفزة، على رغبة الشعب الفلسطيني في السلام «ليس ضعفاً أو استسلاماً بل رغبة في بناء السلام والاستقرار في المنطقة»، وأن الشعب «تعالى على جراحه وآلام نكبته وتشرده في بقاع العالم وجعل من صنع السلام خياره الاستراتيجي».
وقال عباس إن «استمرار الاحتلال وديمومة النكبة يُبقي دوامة العنف ويضعف فرض الاستقرار لأن إنهاء الاحتلال فقط يجلب الأمن والسلام وتجارب شعوب التاريخ تؤكد ذلك».
كما أحيّا فلسطينيو 48، أمس، ذكرى النكبة، فانتشرت النشاطات في غالبية القرى والمدن الفلسطينينية في الداخل. ودعا الاتحاد القطري للجان الطلاب العرب، الطلاب الفلسطينيين للإضراب ساعتين عن التعليم، وارتداء الاسود والاعتصام في الجامعة إحياءً لذكرى النكبة تحت شعار: «هذه روايتنا، اعترفوا بها».
ورفع الطلاب شعارات منددة بالحكومات الاسرائيلية المتعاقبة: حطّات وأعلام الفلسطينية في قلب الحرم الجامعي الإسرائيلي، ما اثار غضب بعض الطلاب الاسرائيليين الذين انقضوا لانزاله، ما أدى إلى اشتباكات بين الجانبين، انتهت باعتقال طالب فلسطيني.
ومن حيفا، تطاير ألف بالون أسود إلى السماء بتنظيم من «اتجاه»- اتحاد جمعيات اهلية، تحت شعار: «ستون فلسطين راجعين» شارك فيها العشرات من الناشطين السياسيين والعمل المدني.
كما قامت اللجنة الشعبية لإحياء ذكرى النكبة في حيفا، التي تضم التجمع الوطني الديموقراطي والحركة السلامية وجمعيات اهلية ومجموعات شبابية، بتظاهرة رفعت خلالها الأعلام السوداء والفلسطينية. ويأتي هذا النشاط تتويجاً لنشاطات احيّتها اللجنة في اسبوع سقوط حيفا الشهر الماضي.


مسيرة شعبية في سوريا
خرج العشرات من السوريين والفلسطينيين في مسيرة شعبية في العاصمة السورية دمشق أمس، لمناسبة مرور ستين عاماً على «نكبة» فلسطين. وهتف المتظاهرون خلال المسيرة لفلسطين ولـ«موت إسرائيل»، مطلقين شعارات تؤكّد «حق العودة مهما طال الزمن للاجئين الفلسطينيين».
وحمل المتظاهرون الأعلام الفلسطينية بكثافة، إضافة إلى العلم السوري وصور المسجد الأقصى وأطفال غزة. ولم تخل المسيرة من صور الرئيس السوري بشار الأسد والأمين العام لحزب اللّه السيد حسن نصر اللّه، وقادة حركة «حماس» وصور لشهداء فلسطينيين.
وكان عشرات السوريين والفلسطينيين قد تقاطروا للمشاركة في المسيرة التي جالت شوارع دمشق من مختلف المؤسسات والجهات، وذلك ضمن مجموعة نشاطات تشهدها العاصمة السورية منذ أيام لإحياء ذكرى «النكبة».
وقال لؤي ضاهر، وهو فلسطيني ولد في سوريا: «تسكننا العودة بشكل نشعر بأنها مستقبلنا. نحن الجيل الجديد الذي ولد لآباء عاشوا ظروف النكبة والنكسة». وأكد أن «الأجيال الفلسطينية في الشتات تؤمن بأن المقاومة هي السبيل للعودة»، مبدياً تأييده لحركة «حماس». في المقابل، قالت فاطمة عيد إنها تخالف ضاهر بإيمانها بأن «المفاوضات هي طريق العودة إلى الوطن فلسطين»، مؤكدة «أن ما تقوم به حركة فتح هو الطريق الأسلم للانتصار».
(يو بي آي)