بغداد ـــ زيد الزبيديومع بداية الألفيّة الثالثة، وانتقال العراق إلى صفوف البلدان المحتلَّة، عاد شبح الحرب والدمار ليسكن المنازل العراقية، فواجهت تحدّيات جديدة، كالعنف الطائفي والتهجير القسري والاعتقالات الجماعية والهجرة إلى الخارج، بالإضافة إلى آفات اقتصادية واجتماعية عديدة ضاعفت من هشاشة جسدها.
ولمناسبة «يوم الأسرة العالمي»، الذي مرّ في الخامس عشر من هذا الشهر، أبدى عدد من المختصّين في علم الاجتماع والشؤون القانونية والاقتصادية، إضافة إلى بعض المواطنين من شرائح مختلفة، آراءهم بشأن وضع الأسرة العراقية، ومستقبلها، في ظل الظروف الراهنة.
وعرّف المتخصّص في علم الاجتماع، الدكتور صادق عبد الله، الأسرة العراقية بأنها «أسرة ولودة» (كبيرة)، إذ يزيد عدد أفراد غالبية العائلات على 5 أشخاص، نتيجة توارث عادات وتقاليد دينية واجتماعية تستنكر تحديد النسل، وتعدّ الإجهاض تمرّداً على «النعمة الإلهيّة» عملاً بالمثل الاجتماعي «كل طفل جديد يحمل رزقه معه».
وهكذا أسهم تعدّد أفراد الأسرة العراقية في زيادة متاعبها، سواء من الناحية الاقتصادية أو الاجتماعية، وأدّى إلى تبلور ظواهر عديدة، تحوّلت بالتدريج إلى آفات نخرت جسد هذه الأسرة كالبطالة وتسرّب الأطفال من المدارس والعنوسة والطلاق.
ويلقي الموظّف هيثم صالح باللوم على أهل الفتيات الذين يطلبون مهوراً عالية تضاعف من نسبة العوانس رغم شحّ فرص الزواج بعد ذهاب عدد كبير من الرجال ضحية للحروب والاعتقالات والعنف الطائفي.
وتشير المحامية نهلة عبد الرزاق إلى تأثير التغيرات التي طرأت على قانون الأحوال الشخصية في زعزعة الأمن الاجتماعي للأسرة العراقية وتهديد استقرارها، ما دام التلاعب بحقوق المرأة يتبع الأمزجة الذكورية ويخضع للاجتهادات والتأويلات المذهبية. وعن هذا الموضوع تقول: «يُعدّ قانون الأحوال الشخصية رقم 188 الذي صدر عام 1959، من القوانين المتطوّرة على صعيد الوطن العربي والعالم، لكونه قانوناً موحّداً يأخذ برؤية متحضرة ومقننة مختلف المذاهب، مما ساعد العراقيين على السير على نهج واحد وتنظيم قانوني ثابت، بعيداً من التفرقة المذهبية على مدى نصف قرن، إضافة إلى حفظ كرامة المرأة ووحدة الأسرة». وتحذّر من أنّ إلغاء العمل بهذا القانون سيهدّد مستقبل الأسرة العراقية، لأنه قد يبيح تعدّد الزوجات والزواج المبكر، والزواج السري، والطلاق التعسّفي. إشارة إلى أنّ مجلس حكم بول بريمر حاول إلغاء هذا القانون وفشل، وهو من أهم النقاط الخلافية في الدستور الحالي، وترتفع أصوات المطالبين بتعديله ليُصار إلى السماح بـ«زواج المتعة» بحسب المذاهب.
من جهة أخرى، أسهم العمل بنظام البطاقة التموينية منذ سنوات التسعينيات، في دعم الأسرة العراقية التي عجزت عن مقاومة وحش الغلاء في ظلّ الحصار الاقتصادي. حتّى إنّ ارتباط العائلة بهذا النظام أصبح وثيقاً، وبات التلكّؤ الذي ألمّ به بعد عام 2003 مصدر تهديد كبير لها.
وعن هذا الشأن، يرى الخبير الاقتصادي مازن المشهداني أنّه يُثار بين آونة وأخرى موضوع إلغاء برامج الدعم الحكومي، وبخاصة السلع التموينية، بحجة أنّها تفتقر إلى الكفاءة، وأنّ إلغاءها يمكن أن يساهم في إنعاش الاقتصاد العراقي ومكافحة بيروقراطية الدولة وفسادها الإداري واستثمار أموال الدعم في مشاريع أكثر جدوى للتخفيف من ظاهرة اتكال الفرد على الدولة.
غير أنّ المشهداني يرى أنّ العديد من الأسر العراقية تنظر إلى نظام التوزيع العام على أنه «حقّ شامل»، وأنّ سحب المزايا من الطبقة المتوسّطة التي تمثّل النسبة الأكبر من المجتمع العراقي، قد يدفع إلى زعزعة الاستقرار السياسي.
وذاقت الأسرة العراقية صنوف العنف منذ أن فقدت رجالها في حروب النظام السابق، وظلّت عرضة لأصعب الظروف من حرمان وعوز وتفكّك، ثمّ تعرّضت لطوفان العنف الطائفي الذي سلب العائلات أمانها واستقرارها وبعضاً من أفرادها، فتغيّرت هيكليتها، وباتت النساء يتصدّرْن واجهة تحمّل المسؤوليّة، سواء من ناحية العمل، أو إنجاز المهام المختلفة خارج المنزل.
وفي هذا السياق، يرى المتخصّصون في علم الاجتماع أنّ السنوات الأخيرة أثبتت تفوّق المرأة العراقية على الرجل، سواء في تحصيلها العلمي أو اعتماد أسرتها عليها في المردود الاقتصادي، باعتبار أن المرأة باتت أقلّ تعرضاً للأخطار والمشكلات الأمنية مقارنة بالرجل، فضلاً عن تفضيلها على الرجل في بعض مجالات العمل.
وألقى العنف ظلالاً أخرى على بعض الأسر التي أجبرها الاحتلال على مغادرة البلد، إما عن طريق اللجوء الإنساني والهجرة أو السفر المؤقت إلى الدول العربية، فبدأت بعض الأسر حياتها من الصفر أو تحت الصفر أحياناً من الناحية المادية والمعنوية.
وعلى الرغم من كل تلك المصائب، ما زالت الأسرة العراقية تناضل للحصول على فرصتها في الحياة، واختلاف همومها عن هموم الأسر الأخرى في العالم يجعل أفراحها وأحلامها مختلفة هي الأخرى.
فالحصول على حصة تموينية إضافية، أو أسطوانة غاز بالسعر الحكومي المرتفع كثيراً عمّا قبل، أو فرصة عمل، أو إقامة في دولة أخرى، أو زوج مناسب، أو زيادة طفيفة في الراتب، يمكن أن تشيع الفرح في أجواء أسرة حرمت لسنوات طويلة من شيء اسمه... الفرح.