شهيرة سلوم
رغم أن نتائج الانتخابات الباكستانية الأخيرة أعادت تأليف السلطة ومثّلت محطة مفصلية انتظرها الباكستانيون منذ عام 1973، إلا أن الشكوك تحوم حول قدرتها على تهدئة النزعة الانفصالية لدى الإثنيات. فهي في الغالب ستكون مسكِّناً لمشكلة مستفحلة لا تلبث أن تنفجر عند أقلّ خضّة، ما يشير إلى أن ملامح تغيير معالم الفدرالية تلوح في الأفق.
منذ أيام، اجتمعت قيادات حزب «الشعب» الباكستاني، الفائز الأول في الانتخابات، بزعامات بالوشستية، وبعثت برسالة سلام إلى المتمرّدين البالوش. ودعا بيان بعد الاجتماع إلى وضع حدّ للعملية العسكرية التي تشنّها الحكومة على المتمرّدين في منطقة بالوشستان القبلية. وطالب بإطلاق جميع المسجونين السياسيين في المقاطعة، ومن ضمنهم رئيس الحكومة الإقليمية السابق أختر مينغال، الذي أوقفته الحكومة على خلفية أحداث عام 2006 (أحداث انفصالية). وقدّم اعتذاره للشعب البالوشي على «المظالم والفظائع التي ارتكبت بحقهم»، ودعا إلى إعطائهم «الحد الأقصى من الاستقلال الذاتي»، كما لباقي المقاطعات الثلاث الأخرى في الفدرالية الباكستانية.
دعوة ينبغي التوقّف عندها، في ضوء ما يحصل في البلاد بعد الانتخابات وما ترتئي فيه واشنطن مصلحة في حلفها مع الدولة التي تحارب معها الإرهاب وتمتلك الترسانة النووية وتحتضن القيادات «الإرهابية».
ويرى مدير البرنامج الآسيوي في مركز السياسة الدولية، سيليج هاريسون، كاتب «في ظلال أفغانستان»، وهي دراسة عن الوطنية البالوشية، أنّ «مشكلة باكستان لن تختفي ما لم تُعَد هيكلة الدولة الفدرالية جذرياً، عبر تحويل الفدرالية إلى كونفدرالية فضفاضة، من خلال استعادة وتحرير دستور 1973 الذي انقلب عليه العسكر». ويتابع أن «احتمال اندلاع مواجهات دموية بين نظام برويز مشرف وأقليات السند والبشتون والبالوش لا يزال قائماً، ما سيدفع إلى تفكك باكستان إلى ثلاث دول».
وفي خطوة استباقية لـ«بلقنة» باكستان، قد يكون الحل الأنسب الانتقال إلى الكونفدرالية المكوّنة من ثلاث دويلات، وذلك من خلال انضمام البشتون في المناطق القبلية الشمالية الغربية إلى إخوانهم من الجهة الأفغانية ليكوِّنوا دولة «باشتونيستان» (نحو 40 مليون نسمة). أما السنديون في الجنوب الشرقي، الذين يمثِّلون نحو 23 مليون نسمة، فيتَّحدون مع الـ 6 ملايين بالوشي في الجنوب الغربي ليكوِّنوا دولة فدرالية على محاذاة بحر العرب تمتد من الهند حتى إيران، ودويلة ثالثة بنجابية نووية.
تفتيت الفدرالية قد تكون له كلفة على مستوى التنمية، لذلك يطرح هاريسون حلاً لتجنّب هذه المشكلة من خلال استخدام الولايات المتحدة والمانحين الأجانب ورقة المساعدات من أجل إقناع إسلام آباد بإعادة العمل بدستور 1973، وتعديله كي يعطي الدرجة المحدودة للاستقلال الذاتي المتوخاة.
وفي الكونفدرالية الجديدة تمسك حكومة مركزية زمام السيطرة في أمور الدفاع والعلاقات الخارجية والتجارة الدولية والعملة والاتصالات، وإعادة التفاوض على حق السيادة على الموارد مع مختلف المقاطعات. وتفضل الأقليات الكونفدرالية على الانفصال لأنها تضمن لها علاقات اقتصادية مع البنجاب.
حلٌّ قد يجد فيه البشتون والسند والبالوش، متنفساً للاحتقان الذي نما على مدى قرون نحو البنجاب، حيث وجدوا أنفسهم دوماً خاضعين للعسكر الذين سيطروا على الموارد الطبيعية في الأقاليم، ولا سيما الغاز الطبيعي المستخرج من الأراضي المنخفضة في مناطق البالوش.
كذلك ستجد فيه الإدارة الأميركية علاجاً لمشاكلها المزمنة مع باكستان، فستجذب إليها مكوّنات الدولة الكونفدرالية، وتقضي بذلك على الأرضية الخصبة التي يترعرع فيها ما تسميه «الإرهاب».
ولعلّ الكراهية البشتونية للبنجاب يمكن أن تفسِّر عجز واشنطن عن الحصول على مساعدة فعالة من النظام الباكستاني في محاربة الإرهاب. فبشتون المناطق القبلية الشمالية الغربية يسعدهم تأمين ملجأ لـ«طالبان» المكوّنة أصلاً من أتباع البشتون وأصدقائها «القاعدة». وتداعيات أي عملية عسكرية أميركية في المنطقة القبلية ستعزّز إرساء أساس خصب لولوج حركة وطنية بشتونية، هدفها توحيد الإثنية في باكستان وأفغانستان في دولة قومية واحدة، وهي أصلاً كانت موحدة قبل قدوم المستعمر البريطاني.
أما بالنسبة إلى الترسانة النووية، التي تمثِّل معضلة حقيقية لواشنطن، فهي ستبقى في أمان رغم الانفصال ما دامت بحوزة دولة البنجاب وعسكرها.
إلّا أنّ الطريق من الفدرالية إلى الكونفدرالية قد لا يكون سهلاً كما يصوّره البعض في بلاد اعتاد فيها عسكر البنجاب تداول السلطة في انقلابات بيضاء على مدى ستين عاماً، كما وجد فيها العدوّان اللدودان لواشنطن «طالبان» و«القاعدة» ملجأهم الآمن.