طوني صغبيني
تتّجه أنظار السياسة الهندية إلى نتائج الانتخابات الفرعية في ولاية غوجارات، التي جرت أول من أمس، كمحطة اختبار للائتلاف الحاكم المهتزّ بقيادة حزب «المؤتمر»، قبل الانتخابات العامة على المستوى الوطني منتصف عام 2009، وخصوصاً أن المرشّح الأقوى لتولّي السلطة في أكبر ولاية هندية هو منافسه التاريخي حزب «بهاراتيا جانتا».
وأبرزت الانتخابات حتى الآن قلق «المؤتمر» في ظلّ صعود الحزب الهندوسي اليميني المعارض. وقد دفع ذلك زعيمة «المؤتمر»، سونيا غاندي، إلى تصدر الحملة الانتخابية شخصياً في الإقليم بالنيابة عن مرشحيها، فيما بدا حزبها مرتبكاً أمام الخطابات النارية للمرشح نارندرا مودي، وهو رئيس الوزراء الحالي للولاية.
ويستفيد مودي من نجاحه الاقتصادي الباهر خلال ولايته، حيث اجتذبت غوجارات الاستثمارات الأجنبية وحققت نمواً سنوياً قدره 11 في المئة، وتطوّرت فيها البنية التحتية من طرقات وكهرباء ومياه بشكل متميّز. ويعزو المراقبون نجاحه هذا إلى جرأته في مواجهة «البقرة المقدسة» في السياسة الهندية، ألا وهي الفساد الحكومي؛ إذ وضع أنظمة لمحاسبة الموظفين العموميين، ورفع عدد المحاكم العاملة في قضايا الفساد وقطع الطريق على تدخّل البيروقراطيين في اتخاذ القراراتلكن رغم ذلك، لا تزال حظوظ مودي متأرجحة، ويمثّل تطرفه الهندوسي مصدر قلق واسعاً في الولاية، التي يكوّن المسلمون نحو 10 في المئة من سكانها. وكان قد واجه انتقادات شديدة لدوره في تأجيج الاشتباكات الطائفية بين الهندوس والمسلمين عام 2002، حيث يقال إنه أعطى الضوء الأخضر للشرطة وعناصر حزبه لذبح نحو ألف مسلم وتهجير آلاف آخرين من منازلهم. وعانى حزب بهاراتيا جاناتا إثر ذلك هزيمة قاسية في انتخابات عام 2004.
ولعلّ هذا ما دفع الحزب الهندوسي إلى التركيز منذ ذلك الوقت على الخطاب الاقتصادي ــــــ المعيشي وإبعاد طرحه القومي ــــــ الديني «هندوتفا» عن الأضواء، بعدما أقام حملته بكاملها عام 2002 على تعبئة المشاعر الهندوسية تجاه الأقليات الأخرى.
ويعود «التحفظ الخطابي» للطرفين في هذه الانتخابات إلى انعكاساتها المتوقعة على الصعيد الوطني؛ فهزيمة «المؤتمر» في غوجارات، إن حصلت، تضاف إلى سلسلة الهزائم التي بدأت منذ شباط الماضي عندما فاز «بهاراتيا جانتا» في الانتخابات المحلية في ولايتي البنجاب وأوتاراخاند.
ويتعرض الائتلاف الحكومي للهجوم على أكثر من جبهة؛ ضعف الأداء الاقتصادي حيث لم تستطع التعامل مع ارتفاع الأسعار وضعف البنية التحتية رغم النموّ الهائل في الاستثمارات، وفضائح الفساد، ولا سيما اتهام الحكومة بطمس قضية أوتافيو كاتروكشي المقرّب من «المؤتمر» والمتهم بصفقات غير شرعية هائلة أمنها للجيش الهندي مع شركة «بوفور» السويدية منذ الثمانينات، إضافة إلى الاستياء من الانفتاح الهندي على الولايات المتحدة بعد الاتفاق النووي بين الطرفين.
ومن المتوقع أن يعزز الفوز المحلي لمودي من فرصه لتسلّم مقاليد قيادة الحزب على المستوى الوطني. وقد يكون «اعتدال» مودي المستجدّ وظهوره «كبطل تنموي» يهدف إلى التحضير لذلك.
لكن يبدو أن أحلام مودي لن تتحقق قريباً، في ظلّ ارتياب مزمن لمعظم القوى السياسية الهندية من «بهاراتيا جانتا». وكانت بعض المصادر قد نقلت عن أوساط الائتلاف التقدمي الحاكم استعداده لإجراء انتخابات مبكرة في حال فوز «المؤتمر» في غوجارات قبل تزايد النقمة على الحكومة. لكن انتصار القائد الهندوسي سيعيد حتماً خلط الأوراق السياسية في الهند.