موسكو ــ حبيب فوعاني
شدّد رئيس لجنة الشؤون الدولية في مجلس الاتحاد (الشيوخ) الروسي، ميخائيل مارغيلوف، في مقابلة مع «الأخبار»، على أنّ «حزب الله» منظّمة «نافذة» لأنّه «ليس فقط مجموعة مقاتلين مدعومين بالأموال الإيرانية والسورية»، بل منخرط بقوّة في النسيج اللبناني، مشيراً إلى أنّ «مصلحتنا كلّها في إبعاد اللاعبين الغرباء عن الملعب اللبناني». وجدّد موقف موسكو من الملف النووي الإيراني وضرورة حلّه دبلوماسياً «ففرصة المفاوضات موجودة»، غير أنّ سياسيّين كثيرين «حشروا أنفسهم في المأزق»
رأى ميخائيل مارغيلوف، ردّاً على سؤال عن رؤيته لدور «حزب الله» في السياسة اللبنانية، أنّ «من الصعب تقويم هذا الدور، إذ لا يمكن إسقاط هذه المنظمة من الحساب، وخصوصاً الجزء الراديكالي منها». فمن جهة، «حزب الله» قادر على تسوية التناقضات الإثنية والاجتماعية في البلد، لأنّه «ليس فقط مجموعة مقاتلين مدعومين بالأموال الإيرانية والسورية. إنه حزب نافذ. وهو يعبر، ولو بالكلمات، عن الرغبة بالإسهام في بناء الديموقراطية اللبنانية». ومن ناحية أخرى «لا ينبغي الترحيب بالوسائل، التي تستخدمها هذه المنظمة لبلوغ أهدافها السياسية. وقد أظهرت الحرب اللبنانية ـــــ الإسرائيلية الأخيرة أن حزب الله لا يزال على الأرجح يزعزع المجتمع اللبناني، أكثر من توطيده».
موسكو مستعدّة لأداء دور وحيد في لبنان، بحسب مارغيلوف، هو فقط «مساعدة الشعب اللبناني في بناء دولة موحّدة وديموقراطية وذات سيادة». وقال: «نحن لسنا مع أي من أفرقاء الشرق الأوسط، ولا نريد تسجيل أهداف لحساب أحد»، مضيفاً أنّ «مصلحتنا كلّها في إبعاد اللاعبين الغرباء عن الملعب اللبناني»، ومشدّداً على «إنّني على ثقة بأنّه بالوفاق النسبي، من دون ضغوط خارجيّة، فسيكون الاستقرار الطويل الأمد والسلام والازدهار الاقتصادي ممكناً».
وفي تعليق على عنوان صحيفة «فريميا نوفوستيي» الروسية، «اللبنانيون يبحثون عن رئيس لهم من دون روسيا»، أشار مارغيلوف إلى أنّ سبب نأي موسكو بنفسها عن الاستحقاق هو «احترام السيادة اللبنانية، التي تُعَدُّ أهم مكونات سياستنا الخارجية، وأنتم (اللبنانيين) يجب أن تحدّدوا تلك القوى، التي ستحكمكم. وروسيا مستعدة لعرض أي جهود وساطة».
وعن اغتيال الرئيس السابق رفيق الحريري، ومن ممكن أن يكون قد دبّر الجريمة، أوضح المسؤول الروسي أنّه لا يستطيع اتهام أي قوة محددة بهذه الجريمة. وقال: «لا ينبغي تسييس مقتل رفيق الحريري والبحث من دون وجود أدلّة دقيقة ومقنعة عن الأثر الدولي في هذه الجريمة»، مشيراً إلى أنّه «توجد في لبنان وخارجه قوى ذات مصلحة في القضاء الجسدي على رجل الدولة المحبوب هذا، وما لم يصدر قرار رسمي عن المحكمة الدولية لا ينبغي اتهام الجميع من دون تمييز والتحريض على النزاعات الأهليّة».
وبالنسبة إلى الأوضاع في العراق، وخصوصاً بعد مؤتمر الجوار في إسطنبول، وفي ظلّ النزاع التركي ـــــ الكردي، قال مارغيلوف إنّ خطوات تركيا «تنتهك الاتفاقيات الدولية»، لكن «من الممكن فهمها، فهي تدافع عن مواطنيها وحدودها»، غير أنّ «المشكلة يمكن حلّها فقط داخل العراق نفسه عندما تظهر حكومة قوية». وتابع: «أنا لا أتحدّث فقط عن المقاتلين الأكراد، بل عن المنظمات الراديكالية الإسلامية، التي تنشط في البلاد، وما دام ذلك لم يحدث، فإن المؤتمرات الشبيهة بمؤتمر إسطنبول تستطيع محاصرة النزاع وإخماده، لكنها لن تستطيع إزالة أسبابه».
وفي شأن الشبهة المتعلّقة بالطابع العسكري للبرنامج النووي الإيراني، وانطباعاته حول زيارته الأخيرة إلى الجمهوريّة الإسلاميّة، قال مارغيلوف إنّ «الوضع في شأن البرنامج النووي الإيراني يبعث على القلق». وأوضح أنه «من ناحية، لا يمتلك أحد ما حتى الآن معطيات مقنعة عن طابعه العسكري، وكل ما يستند إليه المجتمع الدولي، هو المخاوف، التي تتزايد في الآونة الأخيرة ككرة الثلج»، مشيراً إلى أنّ «طهران تستفزّ هذا المسار بتصريحاتها المعادية لإسرائيل، وإيقاف التعاون مع الوكالة الدولية للطاقة الذرية، وإطلاق عملية الحصول على اليورانيوم المخصّب».
وشدّد المسؤول الروسي على أنّه لا أحد يستطيع «البرهنة أنّ إيران تطوّر جزءاً عسكريّاً خالصاً من البرنامج النووي، وهي لا تخفي أنّها تطوّر تقنيّة مزدوجة الأهداف، التي يمكن في أيّ لحظة وضعها على السكّة العسكرية. وما يثير الاهتمام هو أنّ كثيراً من دول المنطقة، لديها خطط أيضاً لتطوير طاقتها النووية»، مشيراً في هذا الصدد إلى أنّ «السعودية ومصر تنويان قريباً البدء ببناء محطات كهروذرية وتطوير برامجهما النووية. ولا يثير ذلك المخاوف لدى أحد ما أو يستدعي الإدانة. عندما يجري ذلك علناً تماماً، وتحت الرقابة التامّة للوكالة الدولية للطاقة الذرية والمجتمع الدولي، فلا يجب أن يثير تطوير الطاقة النووية أي نفور».
أما بالنسبة إلى إيران، فالأمر مختلف، بحسب مارغيلوف، فقد «أدّت معنا المخاوف التاريخية من هذه الدولة دور مزحة ثقيلة. ومنذ البداية اختير طريق الضغط على هذه الدولة»، ما أدّى إلى انطوائها على نفسها «لدى الشعور بالخطر. ونحن لا نعلم شيئاً عمّا يحدث هناك، وبالنتيجة فالمخاوف تتضاعف، والضغوط تمارس بقوّة أكبر». وبقدر ما يُضغط على إيران «بقوّة أكبر، يقل ما نتلقى من المعلومات عن طموحاتها النووية، لذا، أعتقد أن مشكلة إيران يجب حلّها فقط دبلوماسياً، وإلا فإننا سنضغط بالعقوبات بحيث إنّ إيران، التي لم تمتلك طموحات نووية عسكرية في البداية، ستقرّر الحصول عليها. ونحن بعقوباتنا وتهديداتنا وعزلنا ندفع إيران بأنفسنا إلى طريق صنع الأسلحة النووية كوسيلة للدفاع ضد عدوان الغرب».
وعن زيارته للجمهوريّة الإسلاميّة، قال مارغيلوف إنّه التقى هناك «أناساً عقلاء بما فيه الكفاية، ولا مصلحة لهم في زيادة العداء المتبادل. وأثناء زيارتي إلى طهران، فهمت أن فرصة المفاوضات موجودة. والأهم هو الرغبة، غير أنّها ليست موجودة لدى سياسيّين كثيرين حشروا أنفسهم في المأزق».