لندن ــ وسيم شريف
بريـــان هـــاو ضـــد «المحـــور الثـــلاثي للإرهـــاب»


نظرة واحدة إلى شمس لندن، تنبئ بما وقع حقاً لما كان يعرف يوماً بالإمبراطورية التي لا تغيب عنها الشمس. غيوم ملبدة وشمس مستترة وشعب يتوق لرؤية الضوء يسطع ولو مرة واحدة في الأسبوع. توق يقابله سأم شعبي من موقع البلاد كنائب فاعل في إعراب السياسة الدولية.
في الشوارع نزعة عند المراهقين نحو التمرد، وأمل عند الشبان في الهجرة إلى حيث المال الوفير والرفاهية في الحياة. أما الكبار فهم لا يزالون يحيون في زمن الإمبراطورية السالفة الذكر.
أمام مجلس العموم، على بعد أمتار من مقر رئيس الحكومة البريطانية في داونينغ ستريت، لم يملّ بريان هاو اعتصامه الذي قارب عامه الخامس. وهو لم يعد وحيداً كما كان في عام 2003؛ فقد انضم إليه العديد من النشطاء، بينهم غاري وبوني وآخرون.
«جلت العالم، من إيرلندا الشمالية وصولاً إلى كمبوديا، لكني كنت دوماً أعرف أن مكاني هنا لأقوم بواجبي في الدفاع عن المظلومين»، يقول بريان وهو يحاول تثبيت صورة لطفل أفغاني ولد مشوّهاً بفعل الأسلحة التي تستعملها قوات الاحتلال هناك.
عديدة هي الصور التي يضعها بريان في زاويته، بينها صورة لمسعف لبناني يحمل طفلة من ضحايا المجزرة الأخيرة في قانا. يقول: «المشكلة أن من يشنّون ما يسمى الحرب على الإرهاب هم اعتى إرهابيي العالم، الولايات المتحدة وبريطانيا إضافة إلى إسرائيل بقنابلها النووية المئتين».
يضحك بريان عندما يذكر الأسلحة النووية، فالعراق لمجرد الشك بامتلاكه أسلحة دمار شامل احتُلَّ، بينما «محور الإرهاب الثلاثي»، كما يسميه، يملك من الأسلحة النووية ما لا يملكه أحد، وما من حسيب ولا رقيب.
ويؤكد بريان، لدى سؤاله عن جدوى اعتصامه، أنه «باق حتى تقوم العدالة». وعن رأيه برئيس الحكومة غوردن براون، يبتسم ويتابع: «أسوأ من (سلفه طوني) بلير، فهو يدعي أن الأطفال أغلى ما في الوجود، ويسهم من جهة ثانية بقتل مئات الأطفال حول العالم».
يتذكر بريان قيامه والعديد من النشطاء بتنظيم اعتصامات ونشاطات مناهضة للحرب على لبنان العام الماضي، وهو يرى بالمناسبة أن قيم المحور الثلاثي تفرض تدمير كل من لا يتفق معهم.
أما غاري، الذي يحمل على صدره لافتة تقول «لا تقتلوا أطفالهم، لا تقتلوا جنودنا»، فهو التحق ببريان منذ نحو عامين، وهو يحمل طوال النهار لافتة على الجانب الثاني من الشارع حيث يقف بين المارة.
ولدى سؤاله عن نظرته إلى ما تقوم به بلاده في الشرق الأوسط وأفغانستان، يقول إنه لا يعتقد أن بريطانا تعتدي على أحد، لكنه يصمت قليلاً ثم يردّد: «أنا لا أعتقد. أنا متيقن أن بلادي ترتكب جرائم، وأنا أعتذر باسم شعبي الذي آمل أنه سيصحو يوماً ما».
وبينما يقف غاري إلى جانب بريان لالتقاط صورة لهما، يتقدّم نحونا رجل كبير في السن عرّف عن نفسه بأنه يدعى بوني إستون.
بوني تخطى السبعين من العمر، لكنه يأتي كل يوم ليعتصم مع الشبان. يقول: «نحن لا نريد من هذه الحكومة إلا أمراً واحداً، ألا وهو التراجع عما تقوم به». ويضيف: «نحن لن نتراجع عن هذا الاعتصام رغم كل المحاولات لمنعنا من المتابعة، لأن ما نقوم به هو واجب تجاه الإنسانية».
وعادة ما يتجمع عدد من المارة حول المعتصمين؛ البعض يريد التقاط الصور للذكرى، والبعض الآخر للنقاش ومعرفة أسباب الاعتصام، فيما قسم أخير يكيل الشتائم والسباب ويتهمهم بأنهم «فاشلون ولن ينجحوا في تحقيق أي من مطالبهم».