باريس ــ بسّام الطيارة
«هل تسعى قوى فرنسية إلى إحباط لقاء سان كلو بين الأفرقاء اللبنانيّين؟»، سؤال يتردّد صداه في أروقة الدبلوماسية الفرنسية. وفي هذه الحال: من يجرؤ على تحدّي الرئيس الجديد نيكولا ساركوزي؟ ومن يريد «إثبات أن سياسة فرنسا لم تتغير» رغم تغيّر العهد؟
أسئلة علّق عليها دبلوماسي رفيع المستوى مقرّب من الملف اللبناني في حديث لـ«الأخبار» بالقول إنّه «مذهول ومحبط» من محاولات إفشال اللقاء اللبناني، التي «تزداد قوة كل يوم يقترب موعد اللقاء».
وقد يتبادر إلى الأذهان أن قضية الأسيرين الإسرائيليين الذين بحوزة حزب الله، إلداد رغيف وإيهود غولدفاسر، هي المدخل لهذه المحاولات. إلّا أنّ مصادر دبلوماسية تقول إنّ «هذا الوجه من عملية التواصل مع حزب الله في باريس» أُخذ بعين الاعتبار منذ اتّخذ القرار باستقبال الحزب مثله مثل القوى اللبنانية الأخرى.
وأشارت المصادر إلى أنّ تعليق المتحدّث باسم «الإليزيه» دايفيد مارتينو على علاقة «حزب الله» بالإرهاب أوّل من أمس، كان «جواباً عن سؤال استدراجي» ولم يكن تصريحاً بمعنى الموقف. وأكّدت أنّ فرنسا «تدعو حزب الله إلى الانخراط في العمل السياسي» وأنّها لا تزال تجده حزباً يمثل شريحة واسعة من الشعب اللبناني، مشدّدةً على أن المطالبة بالإفراج عن الأسرى «هو مطلب فرنسي لم يتغيّر» منذ بداية الأزمة قبل عام.
إلّا أن ما سبب إحراجاً أكثر من هذه التصريحات، هو وصول موجة ارتداد تصريحات سفير فرنسا في بيروت برنار إيمييه؛ فمع اعتراف البعض بأنّه لم يقل شيئاً «جديداً بالنسبة إلى ما كان يقوله سابقاً»، إلّا أن دبلوماسياً واسع الاطلاع يقول إن «توقيت تصريحاته نزلت مثل المياه الباردة» على القيّمين على تنظيم لقاء «سان كلو»، وإنّه لو أراد «تخريب اللــــقاء» لما كان بإمكانه أن يفعل أكثر مما فعل.
ويشير دبلوماسي آخر إلى أنّ إيمييه «تصرّف بطريقة غير مفهومة» عندما دار على قوى المعارضة «محاولاً التخفيف من تصريحات مارتينو حول حزب الله»، كأنّه يحاول تفسير «شيء ما حصل في باريس وفي الإليزيه بالتحديد»، عوضاً عن محاولة تصحيح الصورة التي انطبعت لدى البعض من تصريحات النائب وليد جنبلاط.
في المقابل، يشدّد خبراء مقرّبون من الملفّ اللبناني على أنّ الأمر يبدو كأنّ «الممانعة الأميركية ـــــ الشيراكية» (نسبة إلى الرئيس الفرنسي السابق جاك شيراك) لا تزال «قويّة العصب» وتعمل بشكل مباشر أو غير مباشر على «تثبيت رؤية موجّهة لسير الأمور».
ويقول هؤلاء إن هذا المسار يذهب في اتجاه معاكس لإرادة ساركوزي المعلنة حول الانفتاح على الأفرقاء اللبنانيين كافّة، مشدّدين على «أن التغيير في سياسة فرنسا هو في هذه النقطة» التي لا يريد البعض أن يراها.
من هنا، لا يتردّد بعضهم في الحديث عن «صراعات خفية بين الإدارة الجديدة للدبلوماسية الفرنسية وبقايا الشيراكية»، التي رغم كلّ شيء لا تزال في مواقع تستطيع منها توتير العمل على الأرض ووضع كل هذا على حساب «طوباوية» وزير الخارجيّة برنار كوشنير.
ويحاول محاورو الصحافة في وزارة الخارجيّة الفرنسيّة الابتعاد عن «الدخول في تفاصيل ما قاله إيمييه»، وينظرون فقط نحو التخفيف من تصريحات الإليزيه، مذكّرين «من دون اقتناع» بأنّ ما قاله السفير الفرنسي هو في «صميم محور السياسة الفرنسية»، وأنّه «لا شيء تغيّر في رغبة باريس في استقبال موفدي حزب الله».
من هنا، شدّدت الناطقة باسم الخارجية باسكال أندرياني على أن موقف فرنسا من حزب الله لم يتغيّر، وأن باريس «ترغب بقوّة» في حضور موفديه إلى سان كلو، مذكّرةً بأنّ باريس ترى أن الحزب «قوة أساسية في الحياة السياسية اللبنانية» ووجود ممثّلين عنه في اجتماع الأفرقاء في سان كلو «أمر ضروري».
ونفت أندرياني أن تكون بلادها قد حدّدت شروطاً تتعلّق بتقديم دلائل عن حياة الأسيرين الإسرائيليين. وقالت، رداً على سؤال عن تعهّد من كوشنير لعائلتي الأسيرين، إنّ ذلك نابع من «استغلال مناسبة الاجتماع للمساعدة بدفع هذا الملفّ نحو حلّ».