strong>موسكو - حبيب فوعاني
بدأ الحراك السياسي في موسكو مع اقتراب الانتخابات الرئاسيّة المقرّرة أواخر العام الجاري. وتبرز طبقة «الأوليغارشيّين»، وهم الرأسماليون الروس الذين برزوا في فترة الانتقال إلى اقتصاد السوق في بداية تسعينيّات القرن الماضي، في واجهة الصراع القائم مع بوتينيّة موسكو، مستخدمين أدوات تغرف من معجم «حقوق الإنسان» الأميركي.
فقد صرّح الملياردير الروسي اليهودي الفار من وجه العدالة، بوريس بيريزوفسكي، لصحيفة «الغارديان» البريطانية الخميس الماضي، أنّه يعدّ لـ«ثورة لتغيير النظام الروسي»، مشيراً إلى أنّه «من الضروري استخدام القوّة لتغيير هذا النظام، لأنّ من المستحيل تغييره بالوسائل الديموقراطية»، ومشدّداً على أنّه يموّل مجموعة من أنصاره في روسيا للقيام بالثورة على نظام الرئيس فلاديمير بوتين.
واللافت أنّ تصريحات بيريزوفسكي جاءت عشيّة «مسيرة غير الموافقين»، التي ينوي القيام بها اليوم ممثّلو المعارضة «الليبرالية» المتطرّفة والمعادية لبوتين، الذين ينتمون إلى حركة «روسيا الأخرى»، وفي مقدمتهم لاعب الشطرنج الدولي غاري كاسباروف ورئيس الوزراء السابق ميخائيل كاسيانوف.
وفيما ينوي المشاركة في هذه المسيرة نحو 7 آلاف متظاهر بحسب المنظّمين، رأت السلطات الأمنية الروسية هذا التحرّك «غير قانوني»، سامحةً للمشاركين فيها بالاعتصام فقط في ساحة تورغينيف في موسكو.
وفي المقابل، ينوي 15 ألف متظاهر من منظمة «الحرس الفتي» التابعة لحزب «روسيا الموحّدة» الموالي لبوتين، القيام بتظاهرة «الموافقين» في ساحة بوشكين، في وقت يتجمّع فيه نحو 200 شخص من اليساريّين في إطار لقاء جماهيري قرب تمثال الفيلسوف الألماني الراحل كارل ماركس في وسط موسكو.
ويكتمل المشهد مع قيام أنصار «اتحاد القوى اليمينية» وعددهم مئة شخص بالتجمّع في الساحة السلافية، وبعبارة أخرى، ستتحوّل موسكو اليوم إلى مدينة تظاهرات مستقلّة ينظمها الليبراليون واليساريون والقوميون وغيرهم، ولأهداف مختلفة بل ومتعارضة أحياناً.
وتعدّ «مسيرة غير الموافقين» تحدّياً شخصيّاً للرئيس الروسي، مع اقتراب موعدي الانتخابات البرلمانية والرئاسية، وفي ضوء ازدياد الأحاديث عن إمكان بقاء بوتين في الحكم عام 2008 بعد تعديل الدستور، وقد تمثّل رداً على تظاهر عشرات الآلاف في موسكو في نهاية الشهر الماضي تحت شعار «بوتين لولاية ثالثة».
وبالمناسبة، أعلن ممثّلو الحزب الشيوعي الروسي أنّ الحزب لن يشارك في ما يسمّى «مسيرة غير الموافقين» لأنّ «منظمي هذه المسيرة هم أناس أظهروا أنفسهم عندما كانوا في السلطة»، حسبما أفاد رئيس قسم الإعلام والتحليل في اللجنة المركزية للحزب يوري بتراكوف.
وأوضح بتراكوف أنّه يقصد بالدرجة الأولى أحد منظمي «المسيرة» وهو رئيس الوزراء السابق ميخائيل كاسيانوف. وقال «بهذه الطريقة تحاول قوى معيّنة القيام بثأر سياسي والعودة إلى السياسة، التي كانت في عهد (الرئيس الروسي السابق بوريس) يلتسين».

وليست مصادفة أن «مسيرة غير الموافقين» تأتي بعد أسبوع من نشر وزارة الخارجية الأميركية لتقريرها السنوي في 6 نيسان الجاري عن «دعم الولايات المتحدة لحقوق الإنسان والديموقراطية في العالم»، الذي أشار في جزئه المتعلق بروسيا إلى أن «تقوية فروع السلطة التنفيذية ومجلس الدوما المطيع والضغط السياسي على القضاة ومضايقة الأقليات القومية والفساد... أدّت إلى تهميش رقابة المجتمع على كبار الموظفين الحكوميين».
وكشف التقرير مشاركة الهيئات الرسمية الأميركية في العمليات السياسية في الجمهوريات السوفياتية السابقة، ما أثار سخط المسؤولين الروس، واعتبره مجلس الاتحاد (الشيوخ) الروسي تدخّلاً سافراً في الشؤون الداخلية لروسيا، وكخطوة غير ودية قد تثير المشاعر المتطرفة.
وأصدر نوّاب مجلس الدوما بياناً عبروا فيه عن قلقهم من «تصاعد محاولات الولايات المتحدة، التي لا سابقة لها، للتدخل في المسارات السياسية في روسيا».