موسكو ــ حبيب فوعاني
يبدو أن معركة “الذهب الأسود” في أوروبا قد بدأت مع وقف ضخ النفط الروسي عبر أنبوب “دروجبا” في بيلاروسيا، رغم دعوة الرئيس فلاديمير بوتين أمس حكومته إلى “استخدام كل الوسائل لضمان حماية مصالح المستهلكين الغربيين” في الأزمة الناشبة بين مينسك وموسكو.
ويعدّ إقفال الأنبوب أول من أمس آخر خطوة في «الحرب التجارية»، التي بدأت بفرض موسكو في 8 كانون الأول الماضي رسوماً جمركية على الصادرات الروسية النفطية إلى بيلاروسيا، بمقدار 7.180 دولارات على الطن الواحد، من 20 مليون طن تستوردها سنوياً؛ وردّت مينسك بفرضها رسوماً جمركية بحجم 45 دولاراً عن كل طن نفط يمر عبر أراضيها إلى أوروبا، بالإضافة إلى أجور ترانزيت النفط الروسي.
ويعدّ أنبوب «دروجبا» (الصداقة)، الذي افتتح في عام 1964، واحداً من أكثر شبكات الأنابيب النفطية تشعباً في العالم، ويمر جزؤه الشمالي بأراضي بيلاروسيا وبولندا وألمانيا، والجنوبي بأراضي أوكرانيا وتشيكيا وسلوفاكيا وهنغاريا؛ ويبلغ طوله أكثر من 6000 كيلومتر.

ودفع انقطاع وصول النفط الروسي إلى ألمانيا، التي تستورد 22 مليون طن، وتعدّ أكبر المستهلكين في أوروبا، المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل للقول أمس إن عدم إبلاغها بإغلاق خط أنابيب “دروجبا” “أمر غير مقبول”، مؤكدة أن هذا الحادث “يقضي على ثقة” الأوروبيين في روسيا.
وقالت ميركل، التي تتولى بلادها حالياً رئاسة الاتحاد الأوروبي، في مؤتمر صحافي مشترك مع رئيس المفوضية الأوروبية جوزيه مانويل باروزو، “من غير المقبول عدم إجراء مشاورات حول حالة كهذه”، مضيفة أن “هذا لا يمكن إلا أن يقوّض الثقة” في الطرف الروسي.
ورغم أن النفط الروسي انقطع أيضاً عن سلوفاكيا وتشيكيا وبولندا وهنغاريا، غير أنه يوجد احتياطي استراتيجي كاف منه لدى المستهلكين الأوروبيين، وهذا ما أكدته الوكالة الدولية للطاقة في باريس أمس، بإعلانها من خلال بيان على الانترنت، أن إغلاق أنبوب “دروجبا” لا يمثل تهديداً للمستهلكين، مشيرة إلى أنه في حال استمرار الإغلاق لفترة، فقد تؤمن المصافي النفط عبر وسائل أخرى حتى من خلال مرافئ في بحر البلطيق أو أنابيب أخرى لنقل النفط.
وبالرغم من وصول وفد بيلاروسي برئاسة نائب رئيس الحكومة أندريه كوبياكوف إلى موسكو وشروعه مساء أمس في مباحثات مع وزير التنمية الاقتصادية الروسية غيرمان غريف حول رسوم مرور النفط الروسي عبر الأراضي البيلاروسية، إلا أن المشكلة تتعدى الاقتصاد إلى السياسة، وسيتم حلها حيث بدأت، أي على أعلى المستويات، بين الرئيسين: الروسي بوتين والبيلاروسي ألكسندر لوكاشينكو.
فالرئيس الروسي، وإن أشار إلى أن بلاده ستبحث “خفضاً محتملاً” لإنتاجها النفطي بسبب مشاكل نقله عبر بيلاروسيا، فإنه شدد على “مواصلة المفاوضات مع شركائنا في بيلاروسيا لتسوية أزمة تسليم النفط ونقله عبر أراضيها”.

ولا بد من الإشارة في هذا الإطار الى ما يمكن أن تخسره الشركات الروسية جراء قرار وقف الضخ، الأمر الذي لم يغفله بوتين من خلال تأكيده أن “ضمان مصالح الشركات النفطية الروسية التي ستواجه خسائر، أمر ضروري»، ومن خلال دعوته أيضاً الحكومة الروسية خلال اجتماعها في الكرملين أمس، الى إعداد “تدابير لحماية الاقتصاد الوطني”.
وفي رد غير مباشر على مطالبة لوكاشينكو الروس “المتخمين بدولارات النفط” بالدفع “مقابل كل شيء يتلقونه من بيلاروسيا مجاناً، بدءاً بمواقعهم العسكرية فيها والترانزيت وانتهاءً بكل الخدمات المقدمة لهم”، تدخّل بوتين شخصياً في النزاع التجاري بين مينسك وموسكو، وذكر في جلسة مجلس الوزراء الطارئة أن الخزانة الروسية كانت تفقد سنوياً من 3،5 إلى 4 مليارات دولار بسبب عدم جباية الرسوم الجمركية عن الصادرات النفطية إلى بيلاروسيا.