في غمرة الفورة السياحية المرتقبة هذا الصيف والتسابق على افتتاح المقاهي والملاهي وأماكن السهر على امتداد الخريطة اللبنانية، اختارت بلدة البربارة الساحلية (قضاء جبيل) مساراً مغايراً كلياً رغم امتلاكها المقومات كافة التي تسمح لها بالمنافسة في مجال الترفيه. فضّلت البربارة التميّز ببيئتها وطبيعتها وبخطط مستدامة تحفظ الحجر والبشر ونموذجية مجتمعها على حساب الربح السريع الذي يمكن تحقيقه بطرق أخرى. على بعد دقائق عن كلّ من جبيل والبترون اللتين تشكلان أحد أبرز مراكز الجذب السياحي في لبنان، وإن لم يكن على نطاق المتوسط، تقبع بلدة البربارة الصغيرة، التي تنعم بهدوء لافت في جوار نشط وصاخب لا يهدأ على مدار ساعات اليوم المتواصلة.
يلفت رئيس البلدية، جورج مفرج، في حديثه مع «الأخبار» إلى «أنّنا في البربارة لم نرغب في أن نتشبّه بأحد، ولا أن ننجرّ وراء موضة معيّنة، وكان سؤالنا لأنفسنا: أي بلدة نريد؟ وكان قرارنا أنّ على بلدتنا أن تتميّز ببيئتها ونظافتها وهدوئها. لا نريد ضجة ولا موسيقى صاخبة، بل أن نكون قرية وادعة نموذجية».


منذ أيام، أعلنت بلدية البربارة عن إطلاق أوّل مسار آمن في لبنان بطول كيلومترين مخصّص لركوب الدراجات الهوائية. وعن هذا المشروع الذي بدأ العمل فيه منذ حوالي ثلاث سنوات، يشرح مفرّج أنّ البلدية «أنجزت، بفضل المساعدات والتبرعات من أهل البلدة المقيمين والمغتربين كما ومن القاطنين فيها، مساراً يمتد على طول ساحل البلدة، تبدأ أوّل 600 متر منه على الطريق العام التي زيّحنا منها مترين من أصل عشرة تكون مخصصة للدراجات الهوائية، قبل أن يتفرّع المسار في طريق منفصلة مسافتها كيلومتراً واحداً وعرضها يُراوح بين خمسة وثمانية أمتار، ولا يمكن للسيارات الدخول إليها. ويمكن للراغبين، في حال كانوا لا يمتلكون دراجات هوائية خاصة بهم، استئجار دراجات من متجر مخصّص لهذه الغاية في البلدة، يوفر أيضاً خدمة تعليم ركوب الدراجات الهوائية لمن يريد».
تندرج هذه الخطة ضمن مخطّط شامل يهدف إلى تفعيل السياحة البيئية النموذجية في البربارة. إضافة إلى مسار الدراجات الهوائية، أنجزت البلدية، وفقاً لمفرّج، «مساراً لطرقات الإجر في البساتين، تم من خلاله وصل المواقع الدينية كافة في البلدة من دون التعدّي على الأملاك الخاصة. وفي هذا السياق، تسعى البلدية من ضمن خططها للعام المقبل إلى تأمين أدلّاء سياحيين على طول هذا المسار إلى جانب توفير مطافئ للحرائق عند كل 200 متر وأكشاك خشبية تتضمّن مياهاً معدنية ومستلزمات الإسعافات الأوّلية».
ومن ضمن المسارات التي أنجزت، «مسار بحري، فُصلت من خلاله الأملاك البحرية الخاصّة عن تلك العامة. يبلغ طول المسار كيلومتراً واحداً، من ميناء البلدة باتجاه بلدة المنصف، وعرضه ثلاثة أمتار ونصف المتر، كما أنّه فُلش بالبحص ووضعت مقاعد عدّة على امتداده. وبالتالي، وخلافاً لمناطق لبنانية عدّة، فإنّ الوصول إلى الشاطئ في البربارة متاح مجاناً لجميع المواطنين».
ويكشف مفرّج أنّ البلدية أطلقت أيضاً مشروع الـ QR Code للإضاءة على أبرز المعالم الدينية والسياحية في البلدة. وفي هذا الإطار، صُوِّرت فيديوات تعريفية عدّة عن كل موقع، إضافة إلى نصوص مكتوبة باللغات العربية والفرنسية والإنكليزية، فضلاً عن «تحديد مكان كل موقع عبر خرائط غوغل».
ومن ضمن المشاريع المنجزة والتي تهدف إلى تمكين السكان وخاصة الأكثر هشاشة، تأسّست مسمكة في ميناء البلدة تستهدف تعاونية صيادي السمك في البربارة. وتهدف المسمكة إلى «الحفاظ على هذه المهنة ومنع اندثارها ومساعدة الصيادين وعائلاتهم. فالصياد يبيع السمك الذي يصطاده للمسمكة بالسعر الذي يريد أوّلاً، والفرق في المبيع بين السعر الذي تشتري فيه المسمكة من الصياد وتعود لتبيعه لاحقاً للزبائن يذهب إلى التعاونية التي يكسب منها الجميع»، وفق مفرّج الذي أضاف أنّه «لا يقتصر ربح الصياد على هذا الحد، إذ أوجدنا مطعماً من ضمن المسمكة، وأي طبق يُباع فيه يعود ربحه إلى التعاونية أيضاً، ولكن بعد خصم أتعاب الموظفين الذين هم للمفارقة من زوجات وأولاد الصيادين». ويتابع: «أطلقنا مشروعاً اسمه «بلدي البربارة» لدعم المزارعين، حيث زرعنا 15 ألف متر مربع من المشاعات بالخروب والقشطة والأفوكادو والتين والزيتون، بهدف صناعة منتجات مونة محلية. كما أطلقنا عسل البربارة وبدأنا ننتج طنّين من العسل سنوياً ونبيعه... يعمل في المشروع أشخاص يمتهنون صناعة العسل وتحت إشراف البلدية. واستكمالاً لهذا المخطّط، اشترت البلدية بيتاً جاهزاً وسنعمل على تحويله إلى سوق للضيعة لتسويق إنتاج المزارعين الأهالي».