على بالي

  • 0
  • ض
  • ض

أعرف أنّ الحنين سمة ملتصقة بالتقدّم في العمر. لكنّ الجيل الذي تربّى في الحروب، مثلنا، لا يُعاني من الحنين كما معظم الشعوب. هل تحنُّ لزمنِ نقل المياه إلى أدوار مرتفعة أو صوت القذائف وهو يهطل فوق رأسك أم لإقفال المدارس نتيجة احتدام المعارك (هذه كانت، للصراحة، من الذكريات الجميلة عندما عشناها، إذ كنّا نتضرّع لتأزيم الوضع من أجل إلغاء الامتحانات، وخصوصاً من أجل إحباط مشروع وزير التربية، بطرس حرب، لتقديس العلم اللبناني مرّة في السنة). لكن أحنُّ إلى خبز أيام الطفولة. كانت الأرغفة تختلف عمّا آلت إليه اليوم, مع احترامي لـ «الفرنو». الخبز رقيق جداً اليوم. صحيحٌ أنّ هذا يقلّل من الوحدات الحراريّة، لكنّ الدافع إلى تصغير حجم الرغيف هو الرغبة بالتوفير من قبل الأفران. في طفولتي كان رغيف الخبز أشهى بكثير، وربّما هذا الذي دفع محمود درويش للتعبير عن الحنين إلى «خبز أمّي وقهوة أمّي». رغيف الخبز كان سميكاً وطريّاً. والمنقوشة أذكرها أشهى من خليفتها اليوم (مع أنه من الصعوبة بمكان أن تصنع منقوشة غير شهيّة إذا ما كانت خارجة للتوّ من الفرن. وكلمة «طازج» اجترحها العرب لوصف المنقوشة عند خروجها من الفرن). المنقوشة كانت سميكة كما كانت القلّيطة. كنتُ في مدرستي أبتاع المنقوشة بـ 15 قرشاً وكنا نتدافع لشرائها من شبّاك في غرفة في المدرسة الابتدائيّة في الـ «آي سي». أما الخبز الصحّي فلم يكن معروفاً إلا في قرى الجنوب. أذكرُ أوّل رغيف أسمر شاهدتُه وكان في بلدة القليلة. لم يكن شهيّاً وكان سميكاً، لكنه احتوى على قشرة القمح. أما خبز المرقوق، فلم يعجبني يوماً لأنه يحتاج إلى كثير من المضغ، وكان هذا متعثّراً في السنوات الأولى من الحياة. المرقوق كان شهياً إذا كان يحمل في ثناياه نحو قنّينة زيت واحدة وإلّا فإنه لا يستحق التقدير. ولم تكن المطاعم تخبز لنا الأرغفة طازجة، وكانت تقدّم الخبز في أكياس «نايلون» كما اليوم في عدد من المطاعم, الخلاصة. ارجعوا لي الرغيف السميك الطري وإلّا.

0 تعليق

التعليقات