لم يفقد سهل المئذنة المعروف بـ «الميذنة» في خراج بلدة كفررمان (قضاء النبطية ــ جنوباً) بريقه في الذاكرة الجماعية. حتى الاجتياح الإسرائيلي للجنوب عام 1978، كان قبلة الأشجار المثمرة والخضر التي تنبت في الأرض الخضراء الخصبة المروية بعشرات العيون والينابيع. وبعد الاجتياح، صار أمثولة للعدوان بعدما حوّله العدو إلى أرض محروقة ومكشوفة لكي لا يخفي المقاومين. وبعد تحرير الجنوب عام 2000، عاد أهالي كفررمان للاهتمام بأراضيهم. بشكل رئيسي، استثمروا في زراعة الخضر التي اشتهر بها السهل. وفي وقت لاحق، افتتح بعضهم من خارج كفررمان، مقاهيَ ومطاعم صغيرة على أطرافه. وأخيراً، ازدهرت «الميذنة» مجدداً، بعدما طالها بعض الاستثمار السياحي الذي حوّلها إلى مجمع من الشاليهات والمسابح. بعض أصحاب الأراضي حوّلوا البيوت الصغيرة التي شيّدوها كغرف زراعية أو غرفة استراحات خاصة بأسرهم، إلى بيوت ضيافة متاحة للعموم. أضافوا إليها مسابح وزوّدوها بخدمات لوجستية تغري الروّاد، فيما بنى آخرون إنشاءات جديدة لمواكبة التوجّه الجديد المتبع في السهل. فلماذا تبدلت الوجهة؟


السهل الأخضر الذي تقطعه الغدران ومجاري العيون، جذب كثيرين للتنزه بين جنباته. ومع رواج ظاهرة استئجار الشاليهات ليوم واحد أو أكثر، ولا سيما بعد جائحة كورونا وازدهار السياحة الداخلية على امتداد الأراضي اللبنانية، تشجّع بعض المالكين لإنشاء شاليهات خاصة لاستقبال الزوّار. وفي غضون ثلاث سنوات، نبتت الشاليهات الملحقة بمسابح على طول السهل وعرضه. كثر من المزارعين أهملوا زراعاتهم وركزوا على تشغيل مرافقهم السياحية الصغيرة الكفيلة برد أرباح توازي مردود الزراعة في مواسم عدة. إذ تراوح كلفة استئجار الشاليه لـ 24 ساعة بين 120 و250 دولاراً، وفقاً لحجم البيت وسعة المسبح وخضوعه لـ «المعايير الشرعية».
أمير ضاهر ابن كفررمان، صاحب إحدى الشاليهات، يؤكد لنا إنّه «بعد دخول البلد في الأزمة الاقتصادية، وتراجع التحصيل المادي من المواسم الزراعية، قرّرت استغلال الغرفة المبنية في أرضي بتأجيرها بعد تحسينها وترتيبها، وتحويلها إلى شاليه صغير». مردود الشهر الأوّل لاستثمار الشاليه، وازى «مدخول موسم كامل من المحصول الزراعي». غلّة التأجير «تساعد على العيش براحة مادية، وتسهم في تطوير الشاليه نفسه وتوسيعه». هذه الوحدات جاهزة للإيجار طوال السنة، لكن خلال الصيف تزدحم الحجوزات وتتضاعف الأسعار مع وفود المغتربين لتمضية الإجازة. الكل ربحان. لكن ماذا عن الطبيعة؟ وهل يخضع هذا القطاع للرقابة البيئية والتنظيمية السياحية؟
رئيس بلدية كفررمان، هيثم أبو زيد، يوضح لنا أنّ «سهل الميذنة لا بد من أنّ يتحوّل مع مرور الوقت من منطقة زراعية إلى سياحية، لكن هذا لا يعني أن نسمح بتآكل الأراضي الزراعية بشكل كامل؛ لأنّ هناك عدداً من الأهالي ما زالوا يعتاشون منها». وفي هذا السياق، يشدّد على أنّه «سمحنا بالاستثمار بالشاليهات ليستفيد أهالي البلدة، لكن ضمن شروط أهمها إنشاء حفر صحية بمعايير تكرير معينة، لتُعاد الإفادة منها في ري المزروعات»، مشيراً في الوقت نفسه إلى أنّ الشاليهات والمسابح تتزوّد من مياه الينابيع الموجودة في السهل فيما يتم ترشيد الاستهلاك «كي لا يؤثر على ري المواسم الزراعية».