وقعتُ في «بيسان» في بيروت على أجمل هديّة أدبيّة. للمرّة الأولى منذ عام 1946، أعادت المكتبة نشر ديوان نسيب عريضة «الأرواح الحائرة». صدر الكتاب بعد أيّام فقط من وفاة الشاعر. عريضة هو الحمصي الذي زامل ميخائيل نعيمة في الدراسة قبل أن يشارك في تأسيس «الرابطة القلميّة» في نيويورك. لأشعار عريضة نكهة خاصّة من الكآبة والتطيّر والبؤس. تعرف حالة الشعراء النفسيّة من قصائدهم. هو عانى في الغربة كثيراً وكانت قصائده تعلن عن وفاة الشعب العربي. لعلّ ما قاساه العرب في أميركا في الحرب العالمية الأولى، وما عاناه العرب في بلادهم في المشرق، ترك وقعاً هائلاً عنده. لم يجد الأمل. قصيدته «النهاية» (من عام 1917) تُعلن وفاة العرب، إذ يقول فيها: «كفّنوهُ وادفنوهُ أسكنوهُ/ هوَّةَ اللحد العميق/واذهبوا لا تندُبوه فهو شعبٌ/ ميتٌ ليس يفيق/ ذلّلوه قتَّلوهُ حمَّلوهُ/ فوق ما كان يُطيق/ حمل الذّلَّ بصبر من دهورٍ/ فهو في الذّلِّ عَريق». الشعب اللبناني يجد نفسه في المرثيّة كما يجدها شعوب الدول العربيّة الأخرى. يُقال إنّ القصيدة كانت تعبيراً عن ألمه من نجاح الحركة الصهيونيّة، إذ كتبها في عام 1917، لكن قبل صدور وعد بلفور. يقول في القصيدة نفسها: «هتكُ عرضٍ نهبُ أرضٍ شنقُ بعضٍ/ لم تُحرِّك غَضَبَه/ فلماذا نَذرِفُ الدمع جُزافاً/ ليس تَحيا الحطَبة». قد تكون تعابير القصيدة ظالمة، لكنّها نبعت من يأس الشاعر، ويأسه يظهر في كل قصائده التي تصلح لدراسة نفسيّة. كانت قصيدة «يا نفس» («يا نفس مالكِ والأنين؟ تتألّمين وتؤلمين») مقرّرة في المنهج الدراسي اللبناني، لكن من المشكوك أنّ سياق القصيدة ونفسيّة الشاعر كانتا مُدرجتين. في قصيدة «أنا في الحضيض»، تخال أنّ الشاعر على وشك الانتحار، إذ يقول: «أنا في الحضيض، وأنا مريض أفلا يدٌ تمتدّ نحوي بالدوا؟». كيف تعايش الشاعر مع هذه الآلام المبرحة؟ وضع العرب في المهجر الأميركي كان بائساً. وذات مرّة، أفردت «نيويورك تايمز» في ذلك الزمن مقالة فظيعة بعنصريّتها وكراهيّتها عن موارنة نيويورك و«رائحتهم النتنة». هكذا عاش عرب المهجر.