بدأ اليوم الأول من «مهرجان البندقية السينمائي» في دورته الثمانين، تحت زخّات المطر. كان متوقّعاً أن تكون هناك عواصف على السجادة الحمراء، لكن مع اقتراب افتتاح الدورة تحسّن الجو العام، ولكنه كان مضطرباً داخل غرف «قصر الكازينو» الفخم، إذ أبدى رئيس لجنة التحكيم المخرج الأميركي داميان شازل («لا لا لاند» و«بابل») عن دعمه لإضراب الكتّاب والممثلين في بلاده. حضر شازل مرتدياً قميصاً كُتب عليه «اتحاد الكتّاب في إضراب»، قائلاً في المؤتمر الصحافي: «جميع الأعمال الفنية ذات قيمة، وليست مجرد محتوى لتغذية موقع ما، ويجب أن يكون الفن أعلى قيمة من المحتوى، ولكن هذه الفكرة تآكلت في هوليوود منذ عشر سنوات». تأثير إضراب في هوليوود، انعكس عدداً قليلاً من النجوم على السجادة الحمراء. قبل الإضراب، كان لدى «البندقية» فيلم افتتاحي مثالي، هو Challengers للإيطالي لوكا غواداغنينو، وممثلين نجوم من وزن زندايا، وآخرين بدأوا بالتألق مثل البريطاني جوش أوكونور، وهذا ما يعشقه المهرجان. لكن خوف شركة «أمازون» و«وارنر برازرز» من الإضراب وعدم تمكّنهما من الحصول على إذن من النقابة لحضور الممثلين للترويج للفيلم في المهرجان، أديا إلى تغيير الخطط. أمام هذا الواقع، فعلها المدير الفني للمهرجان البيرتو باربيرا، كما يفعل دوماً في مواجهة الأزمات، إذ لجأ إلى السينما الإيطالية الصافية، كفيلم افتتاح، كما فعل في المهرجان أثناء الوباء. «القائد» للإيطالي إدواردو دي أنغيليس، كان أول فيلم يُعرض أمس. أجواء البرودة والمطر خارج الصالات انعكست على الفيلم، إذ كنّا أمام شريط بارد بلا مشاعر، جاف داخلياً ومتواضع جداً، ومبتذل في رسالته الواضحة.«القائد» هو القصة الحقيقية لقائد الغواصة «كابيليني» التابعة للبحرية الملكية الإيطالية، سلفاتوري تودارو (بييرفرانشيسكو فافينو). في بداية الحرب العالمية الثانية عام 1940، أثناء إبحار «كابيليني» في المحيط الأطلسي، ظهرت سفينة تجارية، تبحر بدون أضواء خلال ظلام الليل. إنها «كابالو»، التي تبيّن لاحقاً أنها سفينة بلجيكية. فجأة تفتح النار على الغواصة وطاقمها الإيطالي، رغم أن بلجيكا كانت لا تزال محايدة. نشبت معركة قصيرة لكن شرسة، حيث أغرق تودارو السفينة البلجيكية التي كانت تحمل ذخائر بريطانية. عند هذه النقطة، يتخذ القائد قراراً سيسجّله التاريخ: إنقاذ أفراد الطاقم البلجيكي الـ 26 من الغرق وسحب قارب النجاة الخاص بهم إلى أقرب ميناء آمن. وللقيام بذلك، اضطر للبقاء على السطح لمدة ثلاثة أيام، ما عرّض الغواصة وحياته وحياة رجاله للخطر. عندما سأله قبطان السفينة كابالو، التي وصلت إلى الشاطئ في جزيرة سانتا ماريا في جزر الأزور، عن سبب استعداده لتحمل هذه المخاطرة، متجاهلاً تعليمات رؤسائه، ردّ تودارو بالكلمات التي جعلته أسطورة: «الآخرون ليس لديهم، مثلي، ألفا عام من الحضارة خلفهم».
«القائد» فيلم قومي عالي التستوستيرون، يحمل قيمة المساعدة والحسّ الإنساني باعتبارهما أساس الهوية الإيطالية. يستدعي الماضي لإسقاطه على الحاضر: يذكّر بأنّ إنقاذ الغرقى، وفقاً لما يُعرف بقانون البحار، واجب حتى في أوقات الحرب. لذلك كان واضحاً في تلميحاته غير المباشرة إلى المهاجرين الذين يجب إنقاذهم من البحر. وبطريقة مباشرة، تضمّن تلميحات إلى الحرب الروسية الأوكرانية، إذ بدأ بقصة عن الجنود الروس الذين أنقذوا الجنود الأوكرانيين في البحر خلال الحرب. هذا النهج الذي تمّ بناء الفيلم بأكمله عليه منحه نظرةً سياسية واضحة.
نوايا الفيلم نبيلة، ولكنّ النوايا وحدها لا تصنع فيلماً جميلاً. رغم ادّعاء الفيلم بأنه مناهض للحرب، إلا أنه لم يستطع الاستغناء عن ممارسة الشعر البصري الحربي. تجنّب الغوص في إيديولوجية وفكر القائد ورجاله. ورغم أنّه يصورهم، كأبطال، إلا أنّ البلجيكيين يصفونهم بأنهم فاشيون. باختصار «القائد» فيلم تعليمي، عالي الصوت، وخطابه السطحي حول القومية، أضيق من ضيق مساحة الغواصة.