على بالي

  • 0
  • ض
  • ض

لا أريدُ أن أُرجعَ لكم شهادتي التي نلتُها من جامعاتكم. لا، هذه نلتُها بجهدي ودفعتُ ثمن أقساطي. ثم قضيت وقتاً من دراستي كي أتخلّص من رواسب ما علقَ من الدعاية الفجّة التي تتضمّنها مناهجكم الدراسيّة في «الجامعة الأميركيّة في بيروت» و«جورجتاون». لا أريدُ أن أتوقّف عن سماع الموسيقى الغربيّة: لم أستسغ منها إلا القليل وما زلتُ أستمع يوميّاً إلى فيروز وصباح وهدى حداد وجورجيت صايغ ونصري شمس الدين وعبد الحليم. لا أريدُ أن أعبّر عن خيبتي من إعلامكم الصفيق. عملتُ في سنوات دراستي الجامعيّة في واشنطن مستشاراً في شبكة «إن بي سي» الأميركيّة (وعملتُ لفترة قصيرة مع بيتر جينينغز في شبكة «إي بي سي») وأدركتُ كم أنّ إعلامكم تجاريٌّ محض، وكم أنّ المعايير المهنيّة ليست ذات اعتبار، وأنّ كسب المشاهدين (أي الربح المادي) أهمّ من القيم التي تعلّمونها في كليّات الإعلام (بيتر جينينغز كان من أفضل من غطّى الشرق الأوسط، وهو غيّر بما استطاع صورة فلسطين والعرب في الغرب). لا أريد أن أستغرب كيف أنّ الوسط واليسار واليمين مُجمعٌ على دعم المجازر الإسرائيليّة: لم تساورني أوهام عن أنظمتكم السياسيّة منذ أن وطأتُ هذه الأرض. لم أقترع لأحدٍ منكم يوماً، ولم أثق بأيٍّ من سياسيّيكم، وكنت أقول لمن يحثّني (من العرب) على الاقتراع: لا، سترتكب إسرائيل مجزرة وسيؤيّدها هذا الشخص، ولن أسمح بتسهيل نفسي لتأنيب الضمير. حتى داخلياً، أدركت مدى تأثير ما يُسمّى بـ «المال الكبير» على الحياة السياسيّة. لا أريد أن أعيد لكم كتب الأدب الإنكليزي لأنّها، صراحةً، لم تحرّك فيّ ما حرّكته فيّ كتب الأدب والشعر العربي. أنا أزهو بالمعرّي أكثر ممّا أزهو بشكسبير، والمدارس التي درستُ فيها شدّدت على شكسبير أكثر من المعرّي. لن أقطع معكم بالكامل: فيكم أفراد (لا أحزاب) ممتازون ومناصرون ومتعاطفون معنا (وفيهم عددٌ لا بأس به من اليهود الشجعان). لكن أنتم ترسّخون القطيعة بيننا وبينكم. حفلة المجازر هذه ليست هامشاً في تاريخنا المعاصر. لن أعيش شيخوختي بينكم، هذا أكيد.

0 تعليق

التعليقات