إذا كانت هزيمة 1967 قد ضخّت كمّاً هائلاً وخبيثاً من أدبيّات «النقد الذاتي بعد الهزيمة»، التي أفرطت في النقد الثقافي والحضاري الذاتي للعرب، فإن حرب غزّة يجب أن تنتج كمّاً من نقد إسرائيل والصهيونيّة مجدّداً. إن النقد الأوّل لإسرائيل كان متأثّراً بالانتصارات العسكريّة المتلاحقة لعدوّنا ضد العرب. لم يستطع الكُتّاب العرب إخفاء إعجابهم المبطّن بإسرائيل وتفوّقها، مع أنّ ذلك يعود، في الدرجة الأولى، إلى احتضانها من دول الغرب القويّة والثريّة. اليوم، نرى أنّ من صفات إسرائيل، الخيبة الاستخباراتية واللجوء إلى الكذب.
1) شهدنا عبر السنوات فشلاً استخبارياً فظيعاً. قبل نشر مذكّرات «أبو داود»، كان العدوّ يظن أن «أبو حسن سلامة» هو المسؤول عن عمليّة ميونيخ، فيما لم تكن له أي علاقة بها (وهي قتلت نادلاً مغربيّاً في النروج لأنها ظنّت أنه سلامة). ونتذكّر في حرب تمّوز أن العدو اختطف مواطناً لبنانيّاً من بعلبك فقط لأن اسمه حسن نصرالله. خبراء العدوّ ظنّوا أنّ هناك حسن نصرالله واحداً في لبنان. ومعلومات العدوّ، الاستخباراتية والاستشراقيّة، عن العرب كانت ولا تزال ضحلة ومشوّشة. هذا عدوّ لا يزال يعتمد على كتاب «العقل العربي» لفهم العرب (والكتاب يفترض أنّ العربي لا يزال يعيش في البداوة).
2) عدوّنا يكذب. هو كذب عن أهدافه ونيّاته منذ تأسيس الحركة الصهيونيّة. هو كذب علينا في كل شيء. كان يقول في العلن شيئاً ويقول عكسه في السر. هذا كان ديدن الصهاينة. هم كانوا ضد الورقة البيضاء في عام 1939وكانوا ضد تقسيم فلسطين في عام 1947، لأنهم أرادوا كل كعكة فلسطين (لكن أعلنوا عكس ذلك في العلن). والإعلانات العسكريّة والسياسية في حرب غزة لا تذكّر إلا ببروباغندا «حزب البعث» في الستينيّات. إعلانات انتصاريّة لا تتطابق مع أرض الواقع. إسرائيل في حرب تمّوز أعلنت تعطيل القدرة الصاروخية للحزب، فيما كانت الصواريخ تهطل على أهداف إسرائيلية حتى آخر يوم في الحرب. والرقابة في إسرائيل تزداد صرامة، وليس من إعلانات دقيقة وصحيحة عن قتلاها. وموادّ البروباغندا باتت تُدحض من قبل الشباب العالمي.