على بالي

  • 0
  • ض
  • ض

لم أُصرِّح بذلك من قبل لكن: آخر مرّة سمعتُ من الراحل أنيس النقاش، كتب لي معاتباً على نقدٍ لي لجبران باسيل. ذكّرني بصلابة تصدّيه للضغوط الأميركيّة ووصف لي مشهد زيارة ديفيد هيل مُصطحباً مسلّحين مدجّجين بهدف الترهيب. أتذكّر ذلك اليوم لأنّ كل إنجاز «التيّار الوطني الحرّ» في ضخ فكر ولغة المقاومة بين جمهوره من المسيحيّين، يكاد يضيع بسبب منافسة باسيل لـ «القوّات» و«الكتائب»، واستعانته بالفكر والخطاب الانعزالي. كان ريمون إده يواجه مشهداً أصعب بكثير في عام 1975. كان المسيحيّون في لبنان منجذبين بقوّة إلى «الكتائب» و«الأحرار»، وكان التسليح جارياً على قدم وساق منذ أواخر الستينيّات. كان إده يمينيّاً وموالياً للغرب ومعادياً للشيوعيّة، ولم يكن معروفاً بمواقف صلبة ضد إسرائيل. لكن إده قرّر في عام 1975 أن يمشي عكس التيار السائد، وأن يعارض التسليح، وألا ينجرّ في المسار الانعزالي للحزبيْن الرئيسيّيْن. خسر حزب «الكتلة الوطنيّة» مؤيّديه يومذاك، ولم يستطع أن ينهض من جديد. أصبح إده أقرب إلى تحالف «الحركة الوطنيّة» وأصبح أكثر مجاهرةً في عدائه لإسرائيل. وكان يرصد في منفاه دور اللوبي الإسرائيلي وتأثيره في فرنسا. لا أدخل في حسابات الطوائف وأحزابها في لبنان، ولا أريد أن أضع نفسي في موقع الحكم على تحالف الحزب مع التيّار. لكن لا شكّ في أنّ التيار أسهم في كسر حدّة التجاذب الطائفي، ووقف بشجاعة في صفّ المقاومة في حرب تمّوز. وبرز التيّار حليفاً مخلصاً وثابتاً في وثائق «ويكيليكس»: كان يقول في الاجتماعات ما كان يقوله في العلن. مناسبة هذا الكلام أنّ خلخلة العلاقة بين الحزب والتيار (التي أحمِّل ـــ من أنا لأحمِّلُ؟ ـــ المسؤوليّة فيها للحزب أكثر من التيّار) نمّت التيّار الانعزالي في التيّار، وبتنا نرى محاكاة لخطاب «القوّات» و«الكتائب» على ألسنة قادة فيه، بمن فيهم نائب رئيسه. هذا لا يضرّ فقط بمصلحة لبنان بل بمصلحة التيار. إنّه لن يجاري «القوات» و«الكتائب» في الانعزاليّة، لأنّ هؤلاء بارعون وضليعون فيها. إطلاق العنان للخطاب الانعزالي، لا يزكزك الحليف الشيعي فقط بل يحكم بالاندثار على التيّار.

0 تعليق

التعليقات