القاهرة | مع كل حملة جديدة يواجهها محمد صلاح (الصورة)، يجد مناصروه دفوعاً عدّة لحماية صورة نجمهم المفضل الذي استحال رمزاً للنجاح المصري حول العالم. دفوع على شاكلة أنّ حساسية مكانته في فريق «ليفربول» والدوري الإنكليزي كانت وراء صمته في بداية العدوان على غزة، ثم إطلاق بيانات متحفّظة جداً رأى فيها كثيرون أنّها تساوي بين الضحية والجلّاد. حتى إنّ بعض هذه الدفوع وصل إلى درجة القول إنّ جزءاً كبيراً من تلك الحملات تقودها عناصر إخوانية تريد المحافظة على شعبية نجم «الأهلي» السابق محمد أبو تريكة، كونه ينتمي للجماعة المحظورة، وبالتالي يتضرر من توسّع شعبية «مو». حتى عندما يتراجع مستوى اللاعب في منتخب مصر فعلاً، يكون المبرر أنه غير قادر على التأقلم مع باقي اللاعبين وأن المستوى في الدوري الإنكليزي مختلف. من جانبه، يطبّق «أبو مكّة» سياسة اللامبالاة، ويكرر في تصريحاته أنّه لا يتابع الانتقادات، لكنه ينصح بالامتناع عن مهاجمة زملائه لأنّهم يتأثرون. كل ما سبق، لا يقارن بأحدث الحملات التي انطلقت ضد «الملك المصري» منذ ظهر يوم الأحد الماضي وأخلى فيها معظم المدافعين عنه أماكنهم وتركوه وحيداً أمام موجة غضب هي الأولى من نوعها، عنوانها باختصار «التخلّي عن المنتخب».
جاء ذلك بعدما أصيب محمد صلاح، في «بطولة كأس الأمم الأفريقية»، في مباراة الفراعنة أمام غانا مساء الخميس الماضي ولم يكمل اللعب. إصابة اعتبرها غلاة المنتقدين «هروباً» بسبب تراجع مستوى المنتخب المصري. بمجرّد خروج «مو» من الملعب، أحرزت غانا الهدف الأوّل، ثم عدّل المصريون النتيجة، لتتقدّم غانا لاحقاً إلى أن تعادلت مصر في النهاية، وبات السؤال: إلى أي حدّ ستؤدي إصابة محمد صلاح إلى ابتعاده عن الملاعب؟ وهنا، بدأ «التلاعب الإعلامي» الذي جاء بنتائج عكسية. تردّد بداية أن صلاح سيغيب عن مباراتين، ثم خرج شخصياً في مؤتمر صحافي عصر الأحد قائلاً إنّ «ليفربول» والمنتخب سيصدران بياناً مشتركاً. لكنّ مدرّب «ليفربول» الألماني يورغن كلوب وضع الجميع، وأوّلهم صلاح، في مأزق حرج جداً، حين أعلن أنه تقرّرت عودة صلاح إلى المدينة الإنكليزية من أجل العلاج من «شدّ في العضلة الخلفية»، لأنّ الإمكانات في ساحل العاج لا تسمح بعلاجه وتأهيله للعودة لقيادة الفراعنة إذا أكملوا المشوار أصلاً وسط النتائج المخيبة للآمال. بعد تصريح كلوب، انفجرت حسابات السوشال ميديا في المحروسة غضباً. لماذا يعلن «الخواجة» تفاصيل علاج قائد المنتخب المصري؟ وكيف يترك صلاح الفريق في هذه الظروف؟ عندها، حاول «الاتحاد المصري لكرة القدم» ــ من دون جدوى ــ استعادة زمام الأمور والقول إنّ صلاح سيغادر بعد مباراة كاب فيردي الحاسمة (أقيمت مساء أوّل من أمس الإثنين)، وليس قبلها، وأنّ كلوب تسرّع وأعلن الخبر الذي كان سيؤجَّل إلى حين الاطمئنان على مصير المنتخب في البطولة. مبرّرات لم تجد نفعاً في أوساط المصريين، خصوصاً أنّ القائد فضّل بدء العلاج على الانتظار مع الفريق. هكذا، استعاد روّاد مواقع التواصل الاجتماعي كلّ المواقف التي رفض فيها نجوم آخرون مصريون وغير مصريين مغادرة المعسكر، إلا بعد الاطمئنان على النتائج. لم تفلح البراغماتية البريطانية في إقناعهم بالهدوء. منطق كلوب الذي بدا مسيطراً أكثر من اتحاد الكرة في مصر، ومفاده أنّه ما دام سيغيب صلاح عن الملعب، فلماذا لا يبدأ العلاج من الآن؟ اصطدم بمنطق المصريين المناصرين للمقاومة في غزة والمتمثّل في أنّ القائد لا يترك جنوده ما دامت المعركة مستمرة.
عندها، اضطرّ مدير أعمال محمد صلاح، رامي عباس، لإصدار بيان مساء أوّل من أمس، يؤكد فيه أن الإصابة ليست سهلة وتحتاج إلى علاج تراوح مدّته بين 21 و28 يوماً. غير أنّ خبراً جاء من المنتخب المغربي ربّما لخّص أسباب غضب المصريين، إذ لم يلبِّ اللاعب نصير مزراوي طلب ناديه «بايرن ميونيخ» بالعودة للعلاج في ألمانيا واستقبل الأطباء في أبيدجان، رافضاً الخروج من المعكسر رغم أنه لم يلعب أساساً المباراتين الأولَيين، كونه أصيب قبل البطولة. حسم مزراوي خياره: «الأولوية للمنتخب القومي»، فيما تعامل صلاح وكلوب وفقاً لمبدأ الأولوية للمصلحة الفردية. أي إنّه ما دامت الإصابة مستمرّة، فما الداعي للبقاء مع الرفاق؟ ليتحوّل حلم البقاء في البطولة إلى هدف مزودج لملايين المصريين: البقاء لأنّ مصر تستحق الوصول إلى الدور النهائي، والبقاء لتأكيد أنّ منتخب الفراعنة «مبيقفش على حد ولو كان محمد صلاح»!