على بالي

  • 0
  • ض
  • ض

ماتَ كميل منسّى. وبوفاته، يطوي لبنان مرحلة لن تتكرّر من تاريخ نشرة الأخبار التلفزيونيّة المسائيّة. لا يمكن تشبيه ظاهرة كميل منسّى بأيّ شخصيّة إعلاميّة عربيّة. هو مثل والتر كرونكايت في أميركا: الذي كان يشاهده أكثر من 30 مليون شخص يومياً. كما لُقِّب بـ «أكثر رجل موثوق في أميركا». منسّى كان مسؤولاً عن أخبار «القناة 7»، فيما جان خوري تولّى «القناة 11». لم تكن هناك إحصائيّات، لكن منسّى كان الأوّل بلا منازع. يوم اغتيال جون كنيدي، سارع منسّى إلى الاستديو ليُذيع الخبر العاجل، لكنّه وجد «أبو صيّاح» يغنّي. فما كان منه إلا أن دفعه جانباً وأذاع الخبر. صوته من أصوات الطفولة الأولى، يرافقك كل مساء بصوت واثق ومميّز. لم أكن أعرف سياسته، رغم أنّه كان صديقاً لوالدي وعرف العائلة في صور عن كثب. ونشرة الأخبار في ذلك الزمن كانت تخضع لرقابة مشدّدة من الاستخبارات اللبنانيّة، وكان النصّ يمرّ على مقصّ الرقيب. وحده منسّى كان يعرف كيف يرتجل من دون أن يقع في الخطأ (بالنسبة إلى الدولة). هذا الصوت نقل أخبار حرب عام 1967 كما نقل بحزن ووقار خبر وفاة جمال عبد الناصر. كان منسّى يكتب نشرة الأخبار ويُدير المذيعين. عمل في مناصب إداريّة في الإعلام اللبناني، وعلّم مادة الإعلام في الجامعة اللبنانيّة. انتقل من الإعلام إلى العمل الخاص في الإعلان. لم يحتلّ أحد ممن خلفوه مرتبته. هناك أيّام وأحداث تتذكّرها بصوت كميل منسّى الواثق. لم يكن يلقي الأخبار بلهجة خطابيّة (وتبعه في ذلك جان خوري في القناة المُنافِسة). نيل أرمسترونغ هبط على سطح القمر ومشى عليه حتماً لأنّني تلقيّتُ الخبر بصوت كميل منسّى. والهزيمة في 1967 تحقّقت (من دون تشفّي بعض إعلاميّي لبنان) بصوت كميل منسّى الذي لامس حزن وأسى جمال عبد الناصر في ذلك الحين. دور المذيع تغيّر اليوم: بات فئويّاً ومنحازاً جهاراً. وهذا لا يعني أنّ نشرة الأخبار الرسميّة لم تكن منحازة. لكن منسّى كان مهنياً وحرفياً حين لم يكن ذلك محبّذاً.

0 تعليق

التعليقات