على بالي

  • 0
  • ض
  • ض

ليس سيّئاً ما حدث. للمرة الأولى، تنتزع جمهوريّة جنوب أفريقيا لواء حمل القضيّة الفلسطينيّة رسميّاً من يد (أو براثن) الأنظمة العربيّة، كلّها. كل الأنظمة العربيّة وقفت متفرّجة، أو أسهمت في تقديم شهادات مساندة بالأكثر، عندما تقدّمت حكومة جنوب أفريقيا بدعوى ضدّ إسرائيل أمام محكمة العدل الدوليّة. عندما تقرأ نص الدعوى، تجد جهداً كبيراً، وخصوصاً في ربط أعمال الإبادة بخطب وتصريحات مسؤولين إسرائيليين تنمّ عن نيّة ارتكاب جرائم إبادة. تنصّلت الحكومات العربيّة من القضيّة خوفاً من أميركا وإسرائيل. لا تزال تونس بعد الانتفاضة على بن علي تعدنا بمناقشة وسنّ قانون تجريم التطبيع. وفي كل عهد منذ عام 2011، تتعثّر المناقشات وتتجمّد بأمر من المكان العالي. حتى في عهد سعيّد (الذي جعل من رفض التطبيع ركناً من حملته الانتخابيّة وكان ذلك من أسباب نجاحه في الانتخابات)، توقّفت المناقشات والكل يتذرّع بأسباب إجرائيّة غير مُقنعة. مَن كان يتصوّر أنّ حكومات غير عربيّة وحدها قطعت علاقاتها مع إسرائيل في هذه الأزمة؟ شعار عرفات عن «القرار الفلسطيني المستقلّ» أساء إلى القضيّة ودفع عنها محبّيها حول العالم، وقد رفع الشعار ليتسنّى له ارتكاب التطبيع والتنسيق الأمني باسم القضيّة. وشعور بعض الحكومات في أميركا اللاتينيّة أو في أفريقيا بأنّه يمكن لها التقدّم على مواقف الدول العربيّة تطوّر مفيد للقضيّة. كانت القضيّة في بداياتها قوميّة وأمميّة وجذبت متطوّعين للقتال من كل أنحاء العالم. عرفات عزلها وقوقعها كي لا يتيح المجال لأحد أن يزايد عليه وهو يعقد الاتفاقيات الذليلة مع حكومات إسرائيليّة متعاقبة. وقد تتشكّل بسبب هذه الحرب الإباديّة جبهة عالميّة لمساندة القضيّة، وخصوصاً أنّه لا يمكن لأحد أن يأخذ على محمل الجدّ قيادة منظمة التحرير المهترئة. الحكومات العربيّة لم تحاول حتى منافسة جنوب أفريقيا في موقفها ولم يهدّد أحد منهم بقطع العلاقات. كأنّهم يعلنون جزعهم من الردّ الأميركي. وتنصّل حكومات العرب مفهوم، لكنّ تنصّل الشعب العربي غير مفهوم على الإطلاق.

0 تعليق

التعليقات