وفق عدد من الخبراء، فإنّ القطاع الصحي في لبنان لن يكون، حُكماً، بمنأىً عن تداعيات الأزمة المالية وسياسات التقشّف. والأمر لا يقتصر على الديون المتراكمة للمُستشفيات وما ينجم عنها من إقفال وصرف موظفين ونقص في أدوية الموردين والمعدات. بل هو مرتبط، أيضاً، بتسعيرة الأدوية بالدولار الأميركي مثلاً. كذلك فإنه مرتبط بالعجز الذي يرزح تحته الصندوق الوطني للضمان الاجتماعي، الأمر الذي سيؤثر حكماً بوزارة الصحة، لكون المضمونين قد يتركون الصندوق ويُصبحون على نفقة الوزارة.
«الأخبار» حاولت، في المقابلة المقتضبة مع جبق، الاستفسار حول الرؤى التي تملكها الوزارة لمواجهة هذا الواقع، فكان جواب الوزير أنّ «الأزمة الاقتصادية وسياسات التقشّف لا تمتّ إلى وزارة الصحة بشيء. وهذا ما تتفق عليه كل الأحزاب والقوى السياسية. بل على العكس، زادت موازنة الوزارة 20 مليار ليرة، 10 مليارات في بند الاستشفاء، و10 مليارات في بند الدواء، في وقت خُفّضت فيه كل موازنات الوزارات، لأنّ قطاع الصحّة قطاع حساس. نستطيع أن نؤجّل الطرقات والأكل، لكنّنا لا نستطيع تأجيل الصحّة».
هذا الكلام يتناقض وما يؤكّده خبراء لجهة «استحالة التعويل على زيادة الموازنة 20 مليار ليرة، في وقت يتجاوز فيه العجز السنوي للوزارة 120 مليار ليرة». والمطلوب، لمواجهة هذا الواقع الحرج، «اتخاذ إجراءات إصلاحية جذرية تجعل من ملف الصحة أولوية مفروضة على الدولة فعلياً، لا عبر اجراءات جزئية غير فاعلة».
التغطية الصحية الشاملة
الوزير السابق شربل نحاس، أكّد في اتصال مع «الأخبار» أنّ إقرار قانون التغطية الصحية الشاملة وحده الإجراء القادر على الإمساك بالملف الصحي عبر توحيد ملامحه وجعله واضحاً أمام الدولة وتحويله إلى ملف مفروض كأولوية، «لأن توحيد الجهات الضامنة ومأسسة العمل الصحي سيحوّل الملف الصحي حكماً إلى باب إنفاق ضخم وضاغط وواضح، وبالتالي يفرض نفسه على الدولة من أجل الالتفات إليه وجعله أولوية عوضاً من بعثرته بين صناديق وجهات، وتسكين الأزمة بشكل مُشرذم وجزئي».
في هذا السياق، يؤكّد جبق أن الوزارة تعمل حالياً، بالتعاون مع منظّمة الصحة العالمية، على إقرار قانون التغطية الصحية الشاملة، «ونتوقع أن نصل إلى الهدف بحلول عام 2030. هذا مشروع يحتاج إلى ميزانية ضخمة، والموازنة الحالية لا تسمح بذلك. لكنّنا نعمل على موضوع أساسي، هو إنشاء مراكز الرعاية الصحية الأولية التي توفّر علاجات وفحوصات مخبرية وصوراً شعاعية لجميع المواطنين على حساب الدولة، حتى لأولئك الذي يستفيدون من جهات ضامنة أخرى». والحديث عن إقرار نظام التغطية الصحية الشاملة بحلول عام 2030 يتناقض وما ورد في «حوار بعبدا» حول خطة لجنة الخبراء الاقتصاديين (التي ضمّت ممثلاً عن حزب الله) بشأن إقرار هذا النظام بحلول عام 2020!
الأدوية السرطانية
في ملف الدواء، يشير جبق إلى ان وزارته وفّرت نحو 60 مليون دولار في فاتورة الأدوية السرطانية والمُزمنة، لافتاً إلى أنه ألغى احتكار نحو أربع شركات لاستيراد الدواء، «الأمر الذي أدّى إلى خفض أسعار بعض الأدوية بين 40 و80%». وأوضح أن مناقصات استدراج عروض الأدوية تجري على أساس تركيبة الدواء و«أيام الأسماء التجارية ولّت». ماذا عن انقطاع الأدوية في مركز الكرنتينا؟ «لا يوجد انقطاع في الأدوية. أحياناً يكون سبب انقطاع الدواء أنّ الشركة عجزت عن توفير الدواء، فتقوم الوزارة بتوفير بديل له. وغالبية هذه الأدوية ليست غالية الثمن، لكنّ المستورد صار يتلكأ في استيرادها مذ أصبح ذلك غير مربح له».
لا آليات في لبنان تسمح باستيراد الدواء من دولة لدولة دون المرور بشركات خاصة!
ولكن، ماذا عن استيراد الأدوية من إيران والعروضات التي قدمّتها شركات إيرانية وتنام في أدراج الوزارة وفق تأكيدات المسؤولين الإيرانيين أثناء جولة نظمتها وزارة الصحة الإيرانية للصحافيين اللبنانيين العام الماضي؟ ينفي جبق أن تكون هناك «عروضات» إيرانية مُقدّمة إلى الوزارة، لافتاً إلى غياب الآليات التي تسمح للبنان باستيراد الدواء من دولة لدولة، «ولو كنا نملك آلية معينة، لما تعاملنا مع إيران، بل مع فرنسا». أمّا سبب غياب هذه الآلية، فهو «حاجتها إلى قرار من مجلس الوزراء، لأن الدفع سيكون حينها من طريق ديوان المحاسبة. وتفرض آلية الدفع الانتظار ستة أشهر، وغالباً لا تنتظر الدول علينا» ويستطرد: «لكنّ أي شركة خاصة تريد أن تستورد دواءً مطابقاً للمواصفات ولمعايير القانون اللبناني تستطيع أن تسجل الدواء، سواء كان من الهند أو من إيران أو من أي بلد».
في هذا الصدد، يتساءل رئيس هيئة «الصحة حق وكرامة» النائب السابق إسماعيل سكرية: «هل تعجز الحكومة مثلاً عن اتخاذ قرار باستيراد الأدوية من خلال الدول، ما دام هناك وفر يُقدّر بنحو 200 مليون دولار على الأقل؟»، مشدداً على أن من شأن الإبقاء على الشركات الخاصة وسيطاً في استيراد الدواء، أن يُبقي على أسعار الدواء مرتفعة.
أين المختبر المركزي؟
«لقد تجاوزنا هذا الموضوع منذ زمن». هكذا أجاب الوزير عن سؤال «الأخبار» بشأن خفض كلفة الدواء عبر تعزيز صناعة الدواء، لافتاً إلى أن لبنان يُصدّر حالياً أدوية إلى بلدان لم يكن يدخلها الدواء اللبناني. ما هذه الأدوية؟ «أدوية»، هكذا أجاب الوزير!
سكرية، من جهته، أكّد أن صناعة الدواء في لبنان تقوم أصلاً بغالبيتها على تغليف بعض الأدوية المستوردة وتعليبها، بعد «تجميعها» في لبنان، «فيما بعضها الآخر عبارة عن مضادات حيوية وفيتامينات بسيطة». أما تعزيز صناعة الدواء، فتستوجب جهداً وتعاوناً مع جهات أكاديمية وعلمية لتفعيل هذا القطاع. والنقطة الأهم تتعلّق بالمختبر المركزي للدواء، إذ كيف يمكن لبنان أن يصدّر دواءً من دون وجود مختبر؟ يقول جبق إن غياب المختبر كان يُشكّل عائقاً كبيراً أمام تصدير لبنان للأدوية «إلا أن بعض البلدان اتفقت معنا على معاملتنا كما لو أننا نملك مختبراً مقابل حصولها على شهادات منشأ تثبت تطابقها مع مواصفات البلد وقوانينه». ويلفت إلى أنه حُدِّد مركز للمختبر المركزي في مستشفى بيروت الحكومي، «ومن المتوقع أن يُبصر النور قريباً». علماً أن دون ذلك تحديات كبيرة، لأن إعادة فتح المختبر تستوجب توظيف فريق عمل لإدارته، في ظل تجميد مجلس الوزراء التوظيف.
حظر الاستثناءات وتعديل لائحة أدوية الضمان
«على أيّ مضمون يلجأ إلى وزارة الصحة العامة أن يراجع الصندوق، لا الوزارة. عليه أن يحلّ المشكلة مع الدولة، لا مع الوزارة». بحسم، قال جبق لـ «الأخبار» إنه سيمتنع عن توقيع الاستئناءات لمرضى السرطان والأمراض المُستعصية، «كوزارة ما فيني آخد مرضى الضمان إلا إذا الضمان أعطاني ميزانيتو». لكنّه استطرد في هذا الصدد: «هناك إجراء جيد قمت به، وهو أننا اتفقنا مع إدارة الضمان بتوقيع بروتوكول يقضي بتوحيد لوائح الأدوية بين الوزارة والضمان. فأي دواء توافق عليه الوزارة سيوافق الضمان عليه حكماً»، لافتاً إلى أن كل الجهات الضامنة «صارت تحت شمسية الوزارة» والضمان سيعدّل خلال الشهر المقبل لائحته.