لم يكد صباح يوم أمس ينبلج في طرابلس حتى غطّت سحب سوداء من الدّخان سماء المدينة، تبيّن أنّها ناجمة عن حرق أشخاص إطارات سيّارات مستعملة في منطقة سقي طرابلس الشّمالي، لجهة البدّاوي، من أجل استخراج مادة النّحاس منها تمهيداً لبيعها، بعدما باتت هذه «الصنعة» تجارة رائجة.في الأيّام القليلة الماضية، توقف حرق الإطارات نتيجة هطول الأمطار وتبدّل أحوال الطقس، لكن ما إنْ استقر الطقس حتى شرع حارقو الإطارات في مباشرة عملهم ضمن "بُوَر" ترابية مخصّصة لهذا الغرض، حيث توضع فيها مخلّفات الخردة (نحاس، حديد ألمنيوم وغير ذلك) التي تُصدّر إلى الخارج، وخصوصاً تركيا والسّعودية، وتدرّ مبالغ مهمّة بالعملات الصّعبة.
هذا العمل يلقى اعتراضاً واسعاً من الأهالي الذين يقيمون في مناطق قريبة نتيجة تضرّرهم صحيّاً وبيئياً، ما يدفعهم في كلّ مرّة تشتعل فيها إطارات السيّارات إلى إغلاق النوافذ والأبواب لمنع دخول الدّخان إلى بيوتهم، بعدما تسبّب تنشّقها في مرّات سابقة بتدهور حالات البعض صحيّاً، وخصوصاً الأطفال وكبار السنّ الذين يعانون من أمراض الربو والحساسية، وأدّت إلى دخولهم المستشفى لتلقّي العلاج اللازم.

حماية سياسية؟
ومع أنّ المتضرّرين من هذه الجرائم البيئية والصحيّة لم يوفّروا طوال السنوات الماضية وسيلة للشكوى، وراجعوا أغلب المسؤولين بالأمر، إلّا أنّ الوضع لم يتغيّر، بعدما تبيّن أنّ الذين يقومون بهذه الأعمال يحظون بحماية سياسية وأمنية، فلم تلقَ أيّ شكوى في حقّهم على مدار الأعوام الماضية أيّ ردّ أو استجابة من قبل السّلطات والجهات المعنية. وهذا ما يؤكده أحد المواطنين بقوله إن «المنطقة تعاني منذ أكثر من 7 سنين، ونحن نرفع الصوت مطالبين بوضع حدّ لهذا الأذى، لكن بلا جدوى، بعدما تبيّن أنّ الذين يقومون بهذه الأعمال محميّون من جهات سياسيّة، وأنّ القوى الأمنية متواطئة معهم»، مشيراً إلى أنّ «بعض الأشخاص أصيبوا جرّاء الدّخان الأسود بأمراض السّرطان والربو والرئة، وكلّ دواء لمعالجة هذه الأمراض يبلغ سعره اليوم أكثر من 80 مليون ليرة».
المنطقة تعاني منذ أكثر من 7 سنين والأهالي يرفعون الصوت بلا جدوى


وانتقد كثير من المواطنين غياب بلدية طرابلس عن السّمع برغم مراجعتها مراراً بالموضوع، لكن بلا طائل، ما دفع مواطنين إلى شنّ حملة انتقادات بحق رئيس البلدية أحمد قمر الدين على منصّات وسائل التواصل الاجتماعي. كما شكا مواطنون من أنّ الدّخان الأسود تسبّب لهم بأوجاع في الرأس والصدر والقلب، وأنّ تنشّقهم له وتضرّرهم صحيّاً جعلهم يفطرون في شهر رمضان. وفيما سأل أحدهم: «ألا يخاف الله من يُقدم على ذلك في هذه الأيّام الفضيلة؟»، وجّه آخرون السؤال إلى وزير الداخلية والبلديات في حكومة تصريف الأعمال بسّام مولوي، الذي يقيم أهله في شارع المئتين في المدينة، وهو يقع على مقربة من موقع الحريق: «ألم يخبروه بما يصيبهم، أم أنّهم مش فارقة معهم؟».

ياسين: دعم أمني مفقود
شكاوى المواطنين من الدّخان الأسود وأضراره وصلت أصداؤها إلى وزير البيئة في حكومة تصريف الأعمال ناصر ياسين، الذي قال لمن اتّصل به من المواطنين المتضرّرين «طالبت عشرات المرّات محافظ الشّمال والنائب العام البيئي والقوى الأمنية بالتدخّل، وأرسلت كتباً وإخبارات لهم لهذه الغاية، وسنبقى مستمرين في متابعة هذا الموضوع»، لكنّه برّر عدم وضع حدّ لهذه الظّاهرة السّلبية «بالحاجة إلى دعم غير متوافر من القوى الأمنية والبلديات».