منذ انتخاب بشارة الخوري أول رئيس للجمهوريّة اللبنانيّة في 21 أيلول 1943، كان النوّاب يذهبون إلى المجلس لانتخاب صوري لرئيس الجمهوريّة، إذ كانت العمليّة الانتخابيّة معروفة النتائج سلفاً وأشبه بـ«تنصيب» للرئيس والتزام القوى السياسيّة حرفياً بالتسويات التي يتم التوصّل إليها خارج المجلس، وفي الأغلب خارج البلاد.هذا ما حصل مع انتخاب 11 رئيساً للجمهوريّة، ولم تشذ عن القاعدة إلا عمليّة الانتخاب «الحقيقيّة» للرئيس سليمان فرنجية في 17 آب 1970. حينها حضر إلى الجلسة جميع النواب البالغ عددهم 99، ليبدأ الكباش في الصناديق بين فرنجيّة والرئيس الياس سركيس. الدورات الثلاث كانت «حامية»، من دون أن يتمكّن الاثنان من الحصول على أكثريّة الثُّلثين بعدما نال سركيس 45 صوتاً مقابل 38 لفرنجية، وتوزّعت الأصوات الأُخرى على أسماء من خارج «السلّة»: 10 اختاروا بيار الجميّل و5 انتخبوا اللواء جميل لحود، وصوت واحد كسر الأعراف الطائفيّة لمصلحة رئيس حزب «النّجادة» عدنان الحكيم.
أمّا الدورة الثانية فسرعان ما تم إلغاؤها لاكتشاف 100 ورقة في الصندوق بدلاً من 99، قبل أن تحسم الدورة الثالثة اسم رئيس الجمهوريّة بعدما توزّعت الأصوات «الحياديّة» بين الطرفين في الدورة الأولى على فرنجية وسركيس فقط، ليفوز الأوّل بأكثريّة صوتٍ واحد، بعدما نال 50 صوتاً مقابل 49 لسركيس.

(هيثم الموسوي)

الانتخابات «على المنخار» التي لُعبت على فرز الأصوات واحداً واحداً، لم تتكرر، فكانت الجلسات أشبه بـ«مسرحيّات» يحضرها السفراء والدبلوماسيون الذين هندسوها سابقاً، أما «مُنافسو» المرشحين فكانوا في معظم الأحوال: «الورقة البيضاء».
في 5 تشرين الثاني 1989، اجتمع 58 نائباً من أصل 72 (كان هناك 27 نائباً مُتوفى، علماً أنّ المجلس كان قد حُل قبل الجلسة) في مطار القليعات الشمالي، وكان الاتفاق قد أُنجز في الطائف ليكون رينيه معوّض رئيساً للجمهوريّة باعتباره شخصيّة أجمعت عليها القوى الإقليميّة والدوليّة من سوريا إلى السعودية وبغطاء فرنسي - أميركي. ومع ذلك، لم يتمكّن الرّجل من إعلان فوزه في الدورة الأولى بعدما أعلن رئيس حزب الكتائب اللبنانية جورج سعادة ترشيحه بالإضافة إلى ترشيح الياس الهراوي. حصل معوّض في الدورة الأولى على 35 صوتاً، ونال سعادة 16 صوتاً والهراوي 5 أصوات، إضافة إلى ورقتين بيضاوين. وافتُتحت الدورة الثانية بانسحاب الهراوي وسعادة من المنافسة، ليُنتخب معوّض رئيساً بـ 52 صوتاً مقابل 6 أوراق بيض.

انتخاب الهراوي
بعد نحو 19 يوماً، وعقب اغتيال معوّض، نُقل النواب مساءً إلى «شتورا بارك أوتيل» لتنعقد جلسة حضرها 52 نائباً لانتخاب رئيس سبق أن تم الاتفاق على اسمه في سوريا التي زارها برفقة النائب السابق ميشال المر، بعدما ضيّع الوزير السابق جان عبيد الذي طُلب من الرئيس رفيق الحريري أن يأتي وإيّاه إلى «الشام»، فرصته في الإجابة عن «الأسئلة السوريّة»، علماً أنّ خطوط الهراوي كانت مفتوحة مع الفرنسيين، وتحديداً عبر مدير المخابرات السابق جوني عبده.
في الدورة الأولى، حظي الهراوي بأكثريّة المجلس من دون أن يحظى بأكثريّة الثلثين، إذ حصل على 46 صوتاً مقابل صوت واحد لإدمون رزق و4 أوراق بيض، وورقة ملغاة.
وقبل انتهاء ولاية الهراوي، كان السوريون قد بدأوا بمعاونة الحريري بالتحضير للتمديد له، فيما عارض الرئيس نبيه بري في حينه تعديل الدستور قبل أن يعود ويدعو إلى جلسة في تشرين الثاني 1995 لتعديل المادة 49 من الدستور، بأكثرية 110 أصوات ومعارضة 11 نائباً (مخايل الضاهر، مصطفى سعد، حبيب صادق، سليم الحص، عصام نعمان، زاهر الخطيب، نجاح واكيم، رياض أبي فاضل، بيار حلو، كميل زيادة ونسيب لحود) وغياب 7، وبذلك أصبحت مدة ولايته 9 سنوات.
وبالتالي، أعيد انتخاب الهراوي بـ«رفع الأيدي» تماماً كما قال غازي كنعان الذي كان رئيساً لجهاز الأمن والاستطلاع في القوات العربية السورية العاملة في لبنان في حينه. فيما يُفسّر نائب رئيس مجلس النواب السابق إيلي الفرزلي كلام كنعان في كتابه «أجمل التّاريخ كان غداً»، بأنه لم يقصد التهديد كما تم التسويق، وإنما استقاه من «إجابتي حينما شرحتُ له أن هناك ثلاث وسائل في شأن التصويت على القوانين، برفع الأيدي، أو المناداة بالأسماء، وانتخاب الرئيس يجري بطريقة الاقتراع السرِّي كما ينص الدستور. نحن سنكون في صدد إقرار قانون وليس انتخاب رئيس. التصويت الموجب على القانون العادي أو الدستوري يكون برفع الأيدي».

انتخاب لحود
بعد ثلاث سنوات من التمديد كان القرار السوري متقاطعاً مع السعوديّة وفرنسا بأن يكون إميل لحود رئيساً. وهو ما بدا واضحاً خلال جلسة الانتخاب التي كان فيها الرئيس الرابع (بعد كميل شمعون وشارل حلو وأمين الجميّل) والأول بعد اتفاق الطائف الذي يفوز من الدورة الأولى بأكثريّة ساحقة تمثّلت بانتخابه من كل النواب الحاضرين وعددهم 118، بعد جلسة عُقدت في 13 تشرين الأول 1998 تمّ فيها تعديل الفقرة الثالثة من المادة 49 من الدستور.
الأكثرية التي حظي بها لحود حين انتخابه رئيساً للجمهورية من دون منافس سقطت حينما تم التمديد له، إذ إنّ الواقع السياسي تغيّر؛ الرئيس بشّار الأسد اتخذ قراره من «منطلق استراتيجي» مردّه إلى أنّ «الأميركيين كانوا يريدون إخراج قواته من لبنان، ولحّود كان الشخص المُناسب لاعتباره ظهراً حامياً للسوريين والمقاومة». لذلك، التقى في 26 آب 2004 ببري والحريري وأقنعهما بالتمديد، فيما الغرب كان يُريد رئيساً «على طريقته»، ولذلك انتقدت السفارات الأجنبيّة منطق التمديد، وهي نفسها التي رحّبت بقرار التمديد للهراوي قبل سنوات!
الرفض الغربي للتمديد تُرجم في رفض 29 نائباً تعديل الدستور والتمديد للحود.

انتخاب سليمان وعون
كانت جلسة انتخاب ميشال سليمان «سهلة»، وتُشبه إلى حد بعيد انتخاب لحود. وكان انتخابه تثبيتاً لمفاعيل اتفاق الدوحة وحضر الجلسة في 15 أيار 2008 ممثلو الدول العربية والغربيّة «شهوداً» على تطبيق الاتفاق، وفاز سليمان في الدورة الأولى بأكثرية 118 صوتاً، مقابل 6 أوراق بيض وورقة مُلغاة كُتب عليها: نسيب لحود والرئيس رفيق الحريري وجان عبيد.
لم يفز إلا إميل لحود وميشال سليمان في الدورة الأولى


أنهى سليمان عهده «على زغل» وشغر موقع الرئاسة لأكثر من سنتين ونصف سنة وتحديداً إلى 31 تشرين الأوّل 2016 حينما تم انتخاب ميشال عون رئيساً للجمهورية. صحيح أن النوّاب كانوا ذاهبين إلى الجلسة بـ«روحية» انتخاب عون رئيساً الذي كان بمقدوره أن يفوز بأكثرية الثلثين بسبب تبني الرئيس سعد الحريري وحزب القوات اللبنانية مرشح «الثنائي الشيعي»، إلا أن «النكد السياسي» حال دون ذلك، ولم يُنتخب عون إلا في الدورة الرابعة؛ في الدورة الأولى، حاز عون على 84 صوتاً مقابل 36 ورقة بيضاء وواحدة لصالح النائبة جيلبرت زوين، و6 أوراق ملغاة: 5 كُتب عليها «ثورة الأرز مستمرة في خدمة لبنان»، وواحدة «ميريام كلينك»، فيما عُطلت الدورتان الثالثة والرابعة لكوْن عدد المقترعين (127) غير مطابق للأوراق التي وُجدت في صندوق الاقتراع (128)، إلى أن قرّر بري وضع صندوق الاقتراع في وسط القاعة لينال عون 83 صوتاً مقابل صوت لستريدا طوق و36 ورقة بيضاء و7 أوراق ملغاة: 6 كُتب عليها «ثورة الأرز مستمرة في خدمة لبنان» وواحدة لـ«Zorba the greek».