القصة بدأت بوشاية من س. حرب، وهو لبناني من برج البراجنة يعيش في الولايات المتحدة. «ويُعرف بين أبناء الجالية بقيامه بأعمال غير قانونية، كتزوير بطاقات الائتمان والشيكات، وإدارته موقعاً إباحياً، ورشوة موظفي الهجرة». مقابل هذه التهم، واجه عقوبة السّجن مدى الحياة، فكان الحل بالنسبة إليه الكذب، والقبول بـ«تسوية قضائية تقتضي القول بأنّه ينقل أموالاً إلى حزب الله في لبنان بطلب من حمود».
مشى حرب في «الاتفاق القضائي» مع نظام العدالة الأميركي. ومقابل هذه الصفقة، خُفضت محكوميته من 30 سنة إلى 47 شهراً فقط. في المقابل، «اقتحمت الشرطة بيت حمود، فلم تجد سوى سلاح فردي مرخّص». منذ اللحظة الأولى، «بنيت تهمة نقل الأموال إلى حزب الله، بناءً على سيناريو جمع الناس يوم الخميس، وعرض مقاطع مصوّرة لعمليات عسكرية للحزب، والطلب من الحاضرين التبرع» يقول حمود. ولكن، «حاول المدّعي العام الأميركي إثبات ذلك لـ3 سنوات، ولم يفلح، إذ لم يعترف أحد». ويضيف: «وجدوا شيكاً واحداً محرّراً لمكتب السّيد فضل الله عام 1995، قيمته 3 آلاف دولار. والدفعة كانت قانونية تماماً في ذلك الوقت».
خلال سنوات الاعتقال الأولى، لم يثبت النظام القضائي الأميركي شيئاً على حمود، باستثناء مشاكل في الضرائب. في مقابل عقد عشرات المؤتمرات الصحافية، وإنفاق الملايين. «لم يعجب الأمر المدعي العام»، يقول حمود، فـ«أصبح النظام القضائي أمام أمر من اثنين، إمّا تركي، أو سجن س. حرب في التهم المثبتة عليه. فقبل حرب الاتفاق، وقال إنني أعطيته 3500 دولار لإرسالها إلى حزب الله عام 1999، وهو العام ذاته الذي تركت فيه لبنان نهائياً». ويشير حمود إلى أنّ «المدعي العام أنقذ نفسه أيضاً بهذه الصفقة، وقال في أحد تصريحاته الصحافية إنّ هذه القضية هي ضربة العمر».
شبّه الادّعاء الأميركي الاتصال بمكتب السّيد فضل الله بالاتصال بالبيت الأبيض
لم تقف الأفلام الأميركيّة عند هذا الحدّ، بل استأجر الادّعاء خبيراً، دفع له 25 ألف دولار لتتبّع أحوال حمود في لبنان. خرج تقرير الخبير بخلاصات مثيرة للسخرية، فوصف المدرسة التي نشأ فيها حمود في برج البراجنة بأنّها «أكثر مدرسة متشدّدة ومعادية للأميركيين»! ومن التناقضات والقصص الخيالية، «تشبيه الاتصال بمكتب السّيد فضل الله بالاتصال بالمكتب البيضاوي». بالتالي، استنتج بأنّ حمود يجب أن يكون شخصاً هاماً جداً ليتمكن من الوصول إلى مكتب فضل الله. في المقابل «رجوتهم إجراء اتصال حقيقي بمكتب السّيد فضل الله، وأخبرتهم بسيناريو الوصول إلى السّيد، إذ سيحاول مساعدوه أخذ الاتصال عنه، وعند الإصرار سيعطون موعداً للتكلم معه». لكنّهم نسفوا كلامه من المحاضر.
حُكم حمود بدايةً بالسجن 155 سنة، وعام 2012 خُفّفت إلى 30 سنة، وصولاً إلى 25 سنة عام 2019. تنقّل خلال تأديتها بين عدد من السّجون، في ولايات تكساس وإنديانا وكنتاكي. ودرس القانون، وإدارة الأعمال، وعلم النفس، إضافة إلى عشرات المقرّرات العلميّة. أمّا السّجون التي مرّ عليها، فمنها المشدّدة الحراسة، وأخرى معروفة بـ«الدموية» بسبب أحداث العنف التي تجري فيها. ويقول: «احتاروا أين يسجنونني، فأنا لست عضو عصابات، أو مداناً بأمور مالية». ويضيف أنّ أصعب أيامه قضاها في سجن إصلاحي، تُقفل فيه الزنازين لـ23 ساعة، إلى أن وُضع في سجن خاص بالإرهابيين يدعى «وحدة إدارة الاتصال»، وهي وحدات سجن تجريبيّة سيئة السّمعة افتُتحت خلال «فترة الحرب على الإرهاب».
يروي حمود كيف كان يخشى السّجناء التعامل معه بسبب الصيت المرافق له، فـ«هو قائد حزب الله على الأراضي الأميركيّة»، بحسب الإعلام الأميركي. ويقول: «في إحدى المرّات تشاركت غرفة مع رئيس إحدى العصابات، الذي تراجع عن استعراض قوته أمامي، بعد أن رأى مجلة «reader digest»، وعلى غلافها صورتي وتقرير يقول عنه إنّي أخطر إرهابي في العالم».