«تُشنّج الصدمات الكهربائية جسده، ويصرخ من شدة الألم. يكاد يختنق بعد دفع الماء في فمه، أو يغرق بعد غمر رأسه في الماء. كل هذه الأساليب كافية لكسر الضحية، وجعل التحقيق يتقدّم، فيعترف أو يسلّم المعلومات المطلوبة». إذا كان المحقق قاسياً أو مسيئاً، فقد يحصل على معلومات. وقد تكون هذه هي المعلومات التي يريدها، لكنها ليست بالضرورة «الحقيقة». استخدام التعذيب يجعل الأفراد أكثر عرضة للاعتراف بمعلومات غير صحيحة وغير دقيقة وغير موثوقة. فالضغوطات الجسدية والعقلية والنفسية التي تُمارس عليهم أثناء الاستجواب، تجعلهم مربكين إلى درجة قد يكونون معها غير قادرين على التمييز بين الحقيقة والخيال، ومجبرين على الكذب أو تكرار المعلومات التي سمعوها من معذّبيهم. لذلك، يُخبر ضحايا التعذيب المحققين بما يريد هؤلاء سماعه حتى يتوقف التعذيب بحقهم. ووفقاً لهذا، لا يمكن الاعتماد على الاعترافات التي تُتلى تحت التعذيب لحل القضية أو لإعادة تركيب مسرح الجريمة، لِما قد تحمله من معلومات «فاسدة»، تؤكد عدم فعالية التعذيب الذي يأتي بنتائج عكسية. وبالتالي، تؤدي هذه المعلومات إلى تضليل التحقيق واتخاذ قرارات خاطئة، بما في ذلك إفلات المجرمين من العقاب وإدانة أشخاص على جرائم لم يرتكبوها ومعاقبتهم.
استمرار الحملات المناهضة للتعذيب وإنشاء آليات مراقبة للقيام بزيارات منتظمة ومفاجئة لأماكن الاحتجاز وتمكين السجناء من الاتصال بالعالم الخارجي، من خلال الزيارات العائلية والاجتماعات مع المحامين، كل ذلك يشكّل عوامل يمكن أن تلعب دوراً مساعداً مهماً في منع حدوث التعذيب، ومنع الانتهاكات، أو اكتشاف سوء المعاملة، ومنع إفلات المرتكب من العقاب. ولكن، يبقى ذلك رهن جودة التحقيقات الجنائية التي يُفترض أن تقدّم دوراً أساسياً في القضية. ففي حالة نقص قدرة المباحث العلمية على التحقيق في الجرائم، وتحت الضغط لحل الجريمة، من المرجّح أن تلجأ هيئات إنفاذ القانون إلى الاعترافات المنتزعة تحت التعذيب أو سوء المعاملة. ويمكن أن يزداد الخطر إلى قتل المشتبه فيه وفبركة الجريمة على أنها انتحار بعد انتزاع الاعترافات «المطلوبة».
في هذا السياق، قد لا تكون «النية السيئة» أو السلطوية والفوقية من الأسباب الرئيسية لممارسة التعذيب على المتهمين أو المشتبه فيهم أثناء التحقيقات. فالنقص الحاد في الموارد العلمية الموثوقة كـ (خبراء جنائيين، وأطباء شرعيين، ومتخصصين) المتاحة للمحقق أو القاضي قد يجعله يُمارس الضغط على المشتبه فيه للحصول على المعلومات التي يمكن أن تساعد في حل القضية.
في مناسبة «اليوم الدولي لمساندة ضحايا التعذيب»، يظهر الفشل، حتى الآن، في القضاء على التعذيب ودعم الضحايا. لأن مكافحة التعذيب لا يمكن أن تكون من خلال السفر وحضور مؤتمرات، ولا من خلال «غدوات» و«عشوات» في فنادق فخمة، ولا من خلال دورات تدريبية ومشاريع بمئات آلاف الدولارات، بل بالاعتماد على الدليل الجنائي الذي لا يخاف ولا يكذب ولا يشهد زوراً، ومن خلال تطوير المباحث العلمية والاستناد إلى التقنيات العلمية الدقيقة للكشف على مسرح الجريمة ورفع الأدلة وتحليلها.
كنا قد عرضنا في «القوس»، على مدار أشهر، في قسم المختبر الجنائي، تقنيات التحقيق العلمي في مختلف مجالات العلوم الجنائية لكشف خيوط الجريمة ومنع إفلات المجرمين من العقاب.
للقضاء على التعذيب.. أصلحوا «الفورنزكس».