بعيداً عن حملة التهويل في الإعلام العبري، ليس السؤال عمّا إذا كانت إسرائيل ستستخدم القوة العسكرية لإزالة «تعدٍّ وتمركز عسكريين معادين فوق أرضها السيادية»، في إشارة إلى نصب خيمتين داخل منطقتي مزارع شبعا وتلال كفرشوبا المحتلتين، بل حول الطريقة المثلى لدفع حزب الله إلى التراجع وإزالة الخيمتين، من دون التسبّب في مواجهة عسكرية ولو موضعية.في واقع الأمر، انتظر العدو شهرين قبل إطلاق حملة التهويل. صرف شهراً منها على جهود دبلوماسية صامتة، وقرّر في الشهر الثاني اعتماد الدبلوماسية المعلنة. علماً أن إسرائيل، في الأحوال «الطبيعية»، كانت لتبادر من دون إبطاء إلى استخدام القوة العسكرية لإنهاء مثل هذا «التعدّي» المزعوم. وهذا ما دفع الإعلام العبري إلى التعبير بأن ما حدث «خارج عن التخيل»، و«هل كان لأحد أن يتخيل بأن يحتل عدو أرضنا، من دون أن يتحرك الجيش الإسرائيلي لإزالة هذا الاحتلال، وتدفيعه ثمن الجرأة على تحدي إسرائيل؟».
يأتي ذلك، في سياق حرب تهويلية إسرائيلية على مدى الأشهر الأخيرة، هدفها إفهام حزب الله أن إسرائيل قادرة ومعنية وغير مردوعة، و«مستعدة» للذهاب بعيداً في حال «تجرّأ» الحزب على خرق قواعد الاشتباك. وفي هذه النقطة تحديداً، كشفت إسرائيل أن مستوى ارتداعها عن بدء أي حرب ضد حزب الله مرتفع جداً ولم يكن حتى ملحوظاً أنه بهذا المستوى. علماً أن صمت الحزب إزاء ما يجري كان لافتاً طوال شهرين، إلى أن جهر رئيس كتلة الوفاء للمقاومة، النائب محمد رعد، السبت الماضي، بما كان حزب الله يريد قوله من خلال صمته وامتناعه عن التعليق على التهديدات: «ما بدّك حرب سكوت وتضبضب، أما أن تفرض على المقاومة أن تنزع ما هو حق للبنان، وما تعتبر أنه له ضمن أرضه، فلا أنت ولا غيرك قادر على أن يفرض... إذ ولّى الزمن الذي كنت تقصف فيه مفاعل تموز النووي (العراقي 1981) من دون أن يرفّ لك جفن، أو يوم ما كنت تخاف من حدا».
لكن اللافت أكثر، هو صمت رئيس حكومة العدو بنيامين نتنياهو ووزير الأمن يوآف غالنت ورئيس الأركان هرتسي هليفي وكبار ضباط أركان الجيش الإسرائيلي. وهو صمت يعبر عن موقف فعلي مفاده: «منع تفاقم الإحراج داخلياً أمام الجمهور الإسرائيلي، وتجاه العدو نفسه»، وخصوصاً أن التعليق ستصاحبه تهديدات قد تكون منفلتة وغير مدروسة، وليست هناك رغبة بالتورط في إطلاق تهديدات مباشرة يصعب تنفيذها. وترافق صمت هؤلاء مع حملة لتهدئة الداخل الإسرائيلي، عبر القول إن خطوة حزب الله استفزازية ولا تشكل تهديداً للمدنيين، مع إضافة «هوليودية» كالقول إن «الاعتداء على سيادتنا» قد يكون بقرار ذاتي من مجموعة لحزب الله، وليس صادراً من مستويات أعلى، فيما حرصت وسائل إعلام عبرية على الإشارة إلى أن الموقعين العسكريّين جاءا نتيجة خطأ حسابي من حزب الله الذي لم يكن يريد تجاوز الحدود!
وفي الأيام الأخيرة، ارتفع مستوى الضغوط الخارجية على الحكومة اللبنانية، وتولت الولايات المتحدة الأميركية وفرنسا التواصل مع الحكومة والجيش لإقناع حزب الله بإزالة الخيمتين. جاءت الضغوط مزدوجة: نقل رسائل إسرائيلية محملة بالتهديدات؛ وفي الوقت نفسه «نصائح» أميركية وفرنسية بضرورة تجنب وضع يمكن أن يؤدي إلى مواجهة مع إسرائيل.
المقاومة للعدو: إذا لم ترد حرباً... اسكت و«تضبضب»


في الخلاصة، فإن خطوة حزب الله، التي جاءت نتيجة أفعال استفزازية إسرائيلية، تكاد تكون ذات دلالات استراتيجية لإسرائيل لناحية معانيها ودلالاتها وتظهيرها حقيقة موقف الطرفين في مرحلة تتسارع فيها المتغيرات التي من شأنها أن تدفع (كما ترى تل أبيب) حزب الله إلى تغيير قواعد الاشتباك. حديث رئيس أركان الجيش الإسرائيلي، هرتسي هليفي، عن أن عملية مجيدو التي قيل إن حزب الله نفذها في آذار الماضي، لم تكن العملية الوحيدة، هو «دليل سياقي» على وجود خشية من توجه إلى تغيير في القواعد التي حكمت الصراع طويلاً، ويثير أسئلة إضافية: ما هي تلك العملية التي نفذها حزب الله، وألزمت إسرائيل نفسها الصمت إزاءها وعمدت إلى إخفائها؟ علماً أن موقفاً انكفائياً كهذا، دليل إضافي على التموضع الدفاعي لإسرائيل، على عكس ما توحي به تهديداتها.



«أبحاث الأمن القومي»: وضع استراتيجي خطير في مواجهة حزب الله
حذّرت ورقة بحثية صدرت أمس عن مركز أبحاث الأمن القومي في تل أبيب القيادة الإسرائيلية من تبعات ودلالات خطوة حزب الله في هار دوف (مزارع شبعا)، وطالبت بإزالة «التعدي» في الأراضي الإسرائيلية بأي طريقة، حتى ولو تسبّب ذلك في مواجهة محدودة مع حزب الله. وشددت الورقة على أن إسرائيل تسير في مسار تقويض ردعها أمام حزب الله الذي بات أكثر جرأة. وأكد الباحثون المشرفون على خلاصات وتوصيات الورقة أن «عملية بناء القوة لدى حزب الله، جنباً إلى جنب مع تفسيره مواقف إسرائيل وإجراءاتها على أنها حرص منها على تجنب مواجهته، واقع خطير جداً من شأنه أن يؤدي إلى وضع استراتيجي خطير، يجب العمل على إيقافه».
إلا أن الورقة أشادت بـ«حكمة» القيادة الإسرائيلية التي عمدت إلى القنوات الدبلوماسية لإنهاء «تعدي حزب الله». إلا أنه بعدما باتت الحادثة معروفة، فإن فرصة نجاح أي تحرك دبلوماسي ضعيفة ومحدودة جداً، و«يجب المبادرة إلى عملية إسرائيلية لإزالة الخيمتين، حتى وإن كان الثمن هو الانحدار إلى مواجهة محدودة على الأرض». وخلصت إلى «نصيحة» لأركان الحكم في تل أبيب، بأن تكون «العملية خليطاً من الخداع والعزم واستعراض القوة التي تفوق توقعات حزب الله». لكن، ماذا إن رد الطرف الآخر، أيضاً، بخليط من الخداع والعزم واستعراض القوة بما يفوق توقعات إسرائيل؟.