انتشار فيديو التعنيف القاسي في حضانة الجديدة توّج أسبوعاً حفل بحوادث الاعتداء على الأطفال، من اغتصاب طفلة وقتلها، إلى التحرش بطفلتين قاصرتين من سائق «توك توك». وترافق ذلك مع كلام عام يبرر هذه الحادثة أو تلك، كأن يقال إن الطفلة ذهبت برضاها مع السائق، أو إن حادثة الحضانة مثلاً لم تكن لتحصل لو أن الأم لا تعمل. وفي مقابل ردود الأفعال «الغاضبة» على الحادثة الأخيرة، ثمة من تحرّك سريعاً لإبلاغ النيابات العامة ولتسلك القضية مسارها القانوني والقضائي، وهي، بحسب خبراء في حماية الطفل، خطوة أساسية وضرورية لاتخاذ إجراءات رادعة، على ألا تكون معزولة عن نظام متكامل من الإشراف والرقابة على الحضانات يحمي سرية المُبلّغ بالحوادث وآلية التحقّق منها.مع تصاعد حالات العنف، تتحدث رنا غنوي، الاختصاصية الاجتماعية والخبيرة في مجال الحماية الأسرية، عن «بقعة ضوء»، هي الزيادة في الإفصاح والتبليغ عن حوادث باتت تخرج أكثر فأكثر إلى العلن وتبتعد شيئاً فشيئاً عن كونها «تابوهات»، ويجري التنبه إليها على أنها جرم يعاقب عليه القانون. المسؤولية ليست محصورة بجهة معينة، كما قالت غنوي، إذ يمكن إشراك الطفل الرضيع في الحماية وهو في عمر الأيام، كأن يجري إرضاعه في غرفة منعزلة احتراماً لخصوصية الجسد، ويستتبع ذلك بمناهج تربوية تعلّمه أن يسمي أعضاء جسمه بأسمائها قبل أن يطّلع في عمر الـ 12 عاماً على العلاقة الجنسية بمقاربة علمية. ويشترك في المسؤولية الأهل والبلديات والمؤسسات الحكومية والأهلية. وتشير إلى أن المنظومة تكتمل بإنضاج قانون حماية الأحداث الرقم 422 وتفعيل دور المؤسسات المتعاقدة مع وزارة العدل، وهذا ما حصل في حادثة الحضانة، إذ سارع ناشطون إلى تبليغ الجهات المعنية ورفع أهالي الأطفال شكاوى، وكانت هناك سرعة في الاستجابة من القضاء، إذ سيشارك المندوبون الاجتماعيون في اتحاد حماية الأحداث و«جمعية كرامة» في الجلسات التي ستُعقد في المحكمة مع الأهالي.
لكن على أهمية تحديد الشروط والمواصفات، هناك حاجة إلى الرقابة الذاتية ومتابعة فريق العمل في الحضانة، إذ تحمّل رئيسة اتحاد حماية الأحداث، أميرة سكر، المسؤولية الكبرى لصاحب المؤسسة الذي ارتضى أن يفتح مؤسسة رعائية بأن يُخضع موظفيه للتدريب على كل سياسات حماية الطفل والتعاطي مع حالات الطوارئ والإسعافات الأولية. وهي تبدو مقتنعة بأن المجتمع غير صديق للأطفال، فهو يتعاطف مع الحادثة لأيام معدودة فحسب من دون أي متابعة للقضية الأساس.
المتابعة القانونية مطلوبة، لكنّ الشكاوى قد تسلك طريقاً طويلاً، بحسب الخبيرة الدولية في حماية الطفل زينة علوش، خصوصاً أن القانون اللبناني لا يحرّم ضرب الأطفال، مشيرة إلى أن التداول بمواضيع العنف على وسائل التواصل الاجتماعي بطريقة غير آمنة سيف ذو حدين، إذ يمكن أن يخلق حالة رعب في صفوف الأهالي فيمتنعون عن تسجيل أطفالهم في الحضانات التي لها دور إيجابي ليس فقط في السماح للمرأة بالخروج للعمل إنما في تنمية العلاقات الاجتماعية والمهارات الحياتية وجعل الطفل يعتاد على الجماعة، وأن يكون ذلك مترافقاً مع نظام يضمن سلامته. ليس طبيعياً، كما تقول علوش، أن «تكون الحضانات خاضعة بالكامل لوزارة الصحة، ويجري إهمال البعد النفسي والاجتماعي، ولا يكفي أن يصرح وزير الصحة «عالصدمة» وبعد الحوادث، فيما الخطة «يجب أن تكون استباقية، لا أن تقتصر متابعة تجديد الرخصة على زيارات سطحية وشكلية لا تكشف الاعتداءات». وتسأل: «ما هو شكل الرقابة؟ ومن يعمل في هذه الحضانات؟ وما هو التدريب الذي تلقوه؟ هل هناك دورات تدريبية متجددة؟
على الأهل أن يلتقطوا مؤشرات إساءة المعاملة في مزاج الأطفال

ماذا عن مسؤولية التبليغ داخل الحضانة؟». وبما أن طالب الخدمة هو الحلقة الأضعف لا تحمّل علوش المسؤولية للأسر، بل تدعوها إلى تتبّع الأضرار النفسية الممتدة، خصوصاً أن إحدى أمهات الأطفال الذين تعرّضوا للتعنيف أكدت أن طفلتها كانت تصاب بنوبات ولم تكن تعرف الأسباب، وعندما علمت بالحادثة بدأت تربط الأمور بعضها ببعض. وتطالب الأسر أيضاً بأن تكون «لواقط لمؤشرات إساءة المعاملة في مزاج الأطفال من خلال زيارات منتظمة للحضانات والجلوس مع الحاضنات». تتوقف علوش عند أهمية أن يحمي النظام داخل المؤسسة سرية المبلّغ عن الحادثة خصوصاً في مكان لا يستطيع فيه الأطفال أن يعبّروا عن اعتراضهم، فمن يشهد على العنف ويصمت يكون كمرتكبه، لذا عليه أن يبلغ صاحب المؤسسة من دون أن يراعي اعتبارات الزمالة أو الصداقة مع المرتكب، ويجب أن يستتبع ذلك بالتحقق من الحادثة من خلال الكاميرات.
حالات العنف المتنوّعة الجسدية واللفظية والعاطفية مألوفة في الحضانات، ويصادفها طلاب اختصاص الطفولة المبكّرة في كلية التربية باستمرار أثناء قيامهم بالتدريبات المطلوبة لدراستهم، ويحدث أن لا تطبق الحضانة مثلاً البرنامج الغذائي أو أي خدمات تدّعي أنها تقدمها، كما تقول أستاذة الطفولة المبكّرة في الجامعة اللبنانية، مريم رعد، التي تشارك في إعداد الورقة التأسيسية الوطنية لهذه المرحلة العمرية التي تحاكي الثقافة والأهداف المحلية. ثمة مسعى لأن يكون هناك مجلس وطني عابرة للوزارات تتمثل فيه كل الوزارات المعنية، ويدرس تقديم الخدمة الرعائية لكل طفل مقيم على الأرض اللبنانية، فتكون الحضانات شريكاً وليست بديلاً، ويختلف عن المجلس الأعلى للطفولة الحالي المنزوع الصلاحيات والإمكانات.