أن تكون لبنانياً، يعني ألا تُفاجأ باجتماع أكثر من خمسة رجال دينٍ وعددٍ من النواب من أجل إنقاذ الرعية من ساحة صغيرة! كتلك التي كان يُفترض الانتهاء من إنجازها أمس في منطقة الجميزة ضمن مشروع إعادة تنظيم تقاطع شوارع غورو وباستور وأرمينيا، قبل أن يقرّر مختبر «المدن» في الجامعة الأميركية، أمس أيضاً، وقف العمل بالمشروع الذي لم يُنفّذ أكثر من 50% منه. مثالٌ عن كيف يُمكن لجهاتٍ، سياسية أو دينية أو أهلية، مباركة مشاريع وإطاحة أخرى.

منذ ثلاثة أشهرٍ يدور صراع حول مشروع توسعة الأرصفة عند مهبط درج غلام عند تقاطع الجميزة - مار مخايل، والذي كان سينتج عنه استحداث ساحة عامة صغيرة عند مهبط الدرج، يتم تشجيرها، وتجهيزها بمقاعد إسمنتية. إلا أنّ الحملات الرافضة للمشروع اتّخذت أحياناً شكل تهديدات للعاملين فيه، وأدّت إلى التوقّف القسري عن العمل مرات عدّة، ما دفع مختبر «المدن» إلى وقف العمل، وترك الحال على ما هو عليه: نصف ساحة منجزٌ، وطريقٌ تعمل بخط سيرٍ واحد للمتوجّهين من الجميزة نحو مار مخايل، فيما الخط الآخر المُعاكس معطّل بفعل الأعمال التي لم تكتمل. ومن غير الواضح كيف ستتم معالجة الأمر، في ظل تمنّي محافظ بيروت القاضي مروان عبود على المختبر تجميد العمل، من دون الاتفاق على الخطوة التالية. وفيما يعتبر رئيس بلدية بيروت جمال عيتاني أن «عبود يمكنه اتخاذ القرار المناسب بدون الرجوع إلى المجلس البلدي»، يفترض نائب المنطقة عن «القوات اللبنانية» غسان حاصباني أنّ «على المختبر تحمّل مسؤولية الضرر الناتج، وإكمال المشروع معدّلاً وفق ما يطلبه الأهالي، وعدم ترك الطريق مقطوعة قصاصاً للمعترضين». ويُعدّ حاصباني، وشقيقه إيلي، العضو السابق في بلدية بيروت، من أبرز المعترضين، إضافة إلى النائبين نقولا الصحناوي وهاغوب تريزيان.
لهؤلاء وجهة نظرٍ، تعتبر أن تضييق الطريق عند التقاطع لصالح توسعة الأرصفة، سيزيد من زحمة السير التي تعاني منها المنطقة في الأصل، وسيحرم السكان من مواقف لركن سياراتهم. كما سيزيد من فرص «احتلال» أصحاب الحانات للأرصفة الواسعة التي سيتم استحداثها، وهي مشكلة أساسية في المنطقة لم تتمكن لا بلدية بيروت ولا محافظ المدينة ولا الأجهزة الأمنية من معالجتها على مدى سنوات. والهاجس الأكبر، برأي حاصباني وجزء من الأهالي، مرتبط بالجانب الأمني، وتخوّفهم من تحول الأرصفة والساحة إلى «حاضنة جديدة للمتسوّلين والمتسكّعين، ورواد الملاهي الليلية الذين يكونون في الغالب في حالة سكر».
فشل المحافظ في إيجاد حل وسط وأوقف مختبر «المدن» الأشغال في منتصفها


حوالي ثمانية اجتماعات عُقدت بين مختبر «المدن» والنائب حاصباني ومحافظ بيروت، بهدف تقريب وجهات النظر. وفي حين تقول المهندسة المشرفة على المشروع سينتيا بو عون إن «المختبر وافق على إدخال تعديلات كإلغاء فكرة المقاعد وزيادة أعداد مواقف السيارات، إلا أن المشكلة تكمن في رفض النواب توسعة الرصيف ولو سنتيمتراً واحداً، أي نسف فكرة المشروع برمّته»، فيما ينفي حاصباني ذلك معتبراً أن «القيّمين على المشروع لم يتجاوبوا بتاتاً».
في النتيجة، فشلت محاولات المحافظ في إيجاد أرضية مشتركة بين الفريقين، ولم يستطع حماية المشروع الذي أعطاه والمجلس البلدي لبيروت موافقةً مسبقة قبل الشروع به.
في المقابل، يدافع مختبر «المدن»، عن مشروعه القائم على تسهيل حركة المشاة، وخلق مساحة عامة مشجّرة، ولو صغيرة، لتلاقي السكان، نافياً أن تؤثّر توسعة الأرصفة على المساحات المخصّصة لحركة السير، لأنه ستتم إزالة المثلث الموجود في وسط التقاطع. كما أن التغيير الإيجابي سيكمن في منع ركن السيارات صفاً ثانياً على جانبي الطريق. ووُضع الرفض في سياق «إفلاس القوى السياسية وعجزها عن تقديم أي مشروع للمنطقة، ما دفعها للتحريض واعتبار مشروع المختبر غير متطابق مع المواصفات العلمية». علماً أن المشروع عُرض على أكثر من 250 مهندساً متخصّصاً في الشؤون المدنية، وقّعوا عريضة تؤيّد صحّته، وكذلك فعل عدد من الأهالي الداعمين له.