صدرت بيانات عن العديد من الجمعيات والهيئات الحقوقية المحلية والدولية استنكرت الحكم الذي صدر أخيراً وقضى بإدانة إعلامية وسجنها بعدّه تجاوزاً لحقوق الإنسان ولحرية التعبير. استندت القاضي المنفرد الجزائي التي صدر عنها الحكم إلى المواد 317 و582 و584 من قانون العقوبات اللبناني التي تنصّ على عقوبة الحبس من سنة إلى ثلاث سنوات، والغرامة لمن قام بعمل أو كتابة أو ألقى خطاباً يقصد منه أو ينتج عنه إثارة النعرات المذهبية أو العنصرية أو الحضّ على النزاع بين الطوائف ومختلف عناصر الأمّة. وعلى معاقبة كل من قام بذمّ شخص آخر علانية بالحبس حتى ثلاثة أشهر وبالغرامة أو بإحدى هاتين العقوبتين، كذلك على معاقبة كل من قام بقدح وتحقير أحد الناس بالحبس من أسبوع إلى ثلاثة أشهر أو بالغرامة.
1. إذا كانت نوعية العقوبة هي سبب الاستنكار وليست الإدانة بحد ذاتها فلا بد من طرح سؤال عن مدى فعالية هذه العقوبة في تغيير السلوك الجرمي ومنع تكراره. إن احتجاز إعلامية في سجون تعاني أصلاً من مشكلات عدة ونقص في الحاجات الأساسية والعناية الصحية وتراجع برامج إعادة التأهيل بسبب الأوضاع الاقتصادية الصعبة، لا يعطي أي فرصة لتغيير سلوكها والامتناع عن تكرار الفعل الجرمي الذي حسمت المحكمة أنها ارتكبته (علماً أن من حق كل شخص مدان أن يستأنف الحكم الصادر بحقه، وقد تقضي محكمة الاستئناف بتبرئته).
2. أما إذا كان سبب الاستنكار هو الاعتراض على أي ملاحقة قضائية في شكاوى القدح والذم والتشهير، فلا بد من الإشارة إلى أن القاضي استندت كما ذكرنا في مطلع هذا النص، إلى مواد قانونية تجرّم القدح والذم وإثارة النعرات والحضّ على النزاع. وبالتالي بدل أن تُشن حملة ضد القاضي واتهامها بالانحياز إلى فريق سياسي ضد الفريق السياسي المقرب من الإعلامية المدانة، قد يكون مفيداً، خصوصاً بالنسبة إلى عشرات النواب في المجلس التشريعي الذين انضموا إلى الحملة، أن يعملوا على تعديل المواد القانونية التي تنصّ على عقوبة السجن مقابل كل قول يعدّ قدحاً وذمّاً وتشهيراً وإثارة النعرات.
3. صنّفت المحكمة الكلام الذي أدلت به الإعلامية تحت النص القانوني: «إثارة النعرات المذهبية أو العنصرية أو الحضّ على النزاع بين الطوائف ومختلف عناصر الأمّة» (المادة 317). علماً أن في وسائل الإعلام اليوم عشرات العبارات المشابهة والتي يمكن أن تُعدّ أيضاً «إثارة للنعرات وحضّاً على النزاع». صحيح أن القضاء يتحرّك تبعاً لشكوى وقد لا يتقدم البعض بشكوى إذا تعرضوا للقدح والذمّ والتشهير، غير أن القضاء يفترض أن يتحرك من تلقاء نفسه في الجرم المشهود المتمثّل بكلام أو خطاب علني يثير النعرات ويحضّ على النزاع. وقد تؤدي كثافة الجرائم المشهودة من هذا النوع إلى خنق القضاء بشكل كامل.
لذا، إن التوصل إلى اتفاق وطني شامل أو إلى ميثاق شرف أخلاقي في لبنان يتعهد من خلاله الجميع بعدم التعرض بالشتائم والتشبيهات المهينة والكلام الجارح، والمسّ بالمقدسات وبالشرف عند مخاطبة الآخرين أو تناولهم في وسائل الإعلام وفي وسائل التواصل الاجتماعي، قد يكون من مصلحة الجميع ومن مصلحة لبنان. وليكن الجميع تحت سقف واحد.