بعد ثلاث ليال سُود على مخيم عين الحلوة وجواره، انتهى اقتتال فتح والشباب المسلم ليل أمس. المساعي لوقف إطلاق النار بدأت من بيروت وصيدا وحيَّي التعمير والصفصاف وصولاً إلى رام الله، وأسفرت عن اتفاق «لا غالب ولا مغلوب». في مسوّدة إعلان وقف النار، تكرّرت بنود وردت في اتفاقيات مماثلة لاشتباكات سابقة بين الطرفين، من دون أن تسفر عن حلول جذرية: تشكيل لجنة تحقيق في عمليات القتل المتبادلة وتوقيع اتفاق شرف بين الفصائل لعدم الاحتكام مجدداً للشارع وتكليف القوة الأمنية المشتركة الإشراف على سحب المظاهر المسلّحة. هذا في النصوص، لكن ميدانياً يشعر الفتحاويون بأنهم هُزموا، ولا سيما أن رفيقاً لهم قد تسبب بالاشتباك. عسكرياً، تلقّوا الضربة الأولى باغتيال قائدهم (قائد قوات الأمن الوطني في صيدا) العميد أبو أشرف العرموشي في الساعات الأولى لبدء المعركة. ثم نفدت ذخيرتهم في الساعات الأخيرة، فصاروا أكثر تجاوباً مع مطالب وقف القتال. لكنّ حسابات العسكر في عاصمة الشتات لا تنطبق مع حسابات السلطة الفلسطينية.وفيما كانت الأنظار تترقّب منذ أسبوع نتائج زيارة رئيس جهاز المخابرات الفلسطينية العامة ماجد فرج للبنان واجتماع الأمناء العامين للفصائل الفلسطينية في القاهرة، تسبب تصرف عنصر غير منضبط بإعادة تعويم الإسلاميين في عين الحلوة حيث يشكلون الخصم الأبرز لفتح. الحركة وقوات الأمن الوطني الفلسطيني تبرأت من محمد زبيدات الملقب بـ«الصومالي» الذي أطلق النار ليل السبت على ثلاثة من جند الشام. وفيما اتهمته بعض القيادات بالعمل لصالح أجهزة أمنية لبنانية، تمكّن زبيدات من الفرار خارج المخيم بعد اندلاع الاشتباك. علماً أن العرموشي ومرافقيه قُتلوا بكمين خلال توجههم لاعتقاله وتسليمه للسلطات اللبنانية.
منذ هجوم فتح على معقل الإسلامي بلال بدر في حي الطيرة عام 2017، لم يشهد المخيم اشتباكاً بهذا الحجم. خلف جبهة واحدة، توحّد «الشباب المسلم» المؤلف من بقايا جند الشام وفتح الإسلام، بمؤازرة عناصر من تنظيم داعش دخلوا منذ أسابيع من سوريا. أبرز قادة المعركة كان هيثم الشعبي وبلال بدر الذي انتقل من حي الطوارئ حيث توارى منذ معركة الطيرة إلى الصفصاف، وهما بحسب تقارير فتح من أبرز المتهمين بالجريمة. هكذا، بعد تهميش طويل، عاد «الشباب المسلم» إلى المعادلة في عاصمة الشتات. كما عاد إلى المعادلة، بعد تغييب طويل، «أبو محجن»، أحد مؤسّسي عصبة الأنصار الإسلامية. فالاشتباك الأخير الذي كان الأول بعد وفاة شقيقه رئيس العصبة أبي طارق السعدي، والاختبار الأول لسلوك أبي محجن بعدما كان شقيقه وسيطاً في حالات مماثلة بين الدولة وفتح وبين الإسلاميين. التزمت العصبة بالحياد عسكرياً قبل أن تعلن بأنها لم تشارك في القتال وتدعو لوقف إطلاق النار رغم اقتراب مقاتلي فتح من مراكزها واستهداف محيط مسجد الشهداء في الصفصاف. أما الحركة الإسلامية المجاهدة، شريكة العصبة في تجمع القوى الإسلامية، فقد غاب رئيسها الشيخ جمال خطاب عن المشهد قبل أن يشترك ببيان دعت فيه القوى الإسلامية إلى وقف القتال وتسليم القتلة من الجانبين. مساعي العصبة بطلب من جهات لبنانية نجحت في إقناع «الشباب المسلم» بالالتزام بوقف إطلاق النار.
فشلت فتح في اختبارها الأول بعد زيارة فرج الذي أعلن عن إعادة تنظيم الحركة سياسياً وعسكرياً


أما فتح، فقد فشلت في اختبارها الأول بعد زيارة فرج الذي أعلن عن إعادة تنظيم الحركة سياسياً وعسكرياً. ورغم دعمها من قبل الدولة، تلقّت هجوماً على خلفية السلاح المتفلّت. رئيس الحكومة نجيب ميقاتي ورئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس تجانسا في موقفهما من الاشتباكات بـ«ضرورة التزام المخيمات بمرجعية الدولة والقوانين اللبنانية». مع ذلك، من المنتظر أن ترد فتح الصاع للإسلاميين بجولة قريبة عسكرية أو أمنية. وفي محاولة لرص الصفوف، عيّنت قيادة الساحة سريعاً خلفاً للعرموشي الذي شيّعته أمس في مخيم الرشيدية، هو الفتحاوي العتيق مسؤول اللجان الشعبية السابق أبو أياد شعلان الذي يُصنف من فئة «العسكر الناعم». وكان مقاتلون من مخيمات بيروت وصور قد توافدوا إلى عين الحلوة للمشاركة في القتال، لكن قيادة الحركة رفضت دخولهم وأعادتهم إلى مخيماتهم لكيلا تتوسع رقعة التوتر إلى المخيمات الأخرى.
على هامش الاشتباك، سُجّلت مصالحة بين رئيس لجنة الحوار اللبناني – الفلسطيني باسل الحسن والسفير الفلسطيني أشرف دبور خلال لقائهما ليل الأحد في عين الحلوة في محاولة لوقف إطلاق النار. أُدرج اللقاء ضمن نتائج مساعي فرج لترتيب وضع فتح مع الدولة بعد الهجوم الذي سمعه من الحسن والجيش ضد أداء دبور. وكان الأخير أُلحق بوفد فتح في لقاء القاهرة بعد زيارة فرج مباشرة. ويأمل الفتحاويون من إعادة ترتيب العلاقة مع الدولة استعادة الدور كمرجعية والحد من نفوذ هيئة العمل المشترك التي تحركها حماس.