إحدى أبرز الأوراق التي ستصدر عن الإسكوا في عهد أمينة السر التنفيذية الوزيرة الكويتية - اللبنانية رولا دشتي هي رؤية شاملة للعالم العربي للعام 2045، أي بالتزامن مع الذكرى المئوية لإنشاء جامعة الدول العربيّة. الرؤية المتداولة في أروقة الإسكوا باتت شبه نهائية ويتوقع إطلاقها رسمياً الشهر المقبل تحت عنوان «الرّؤية العربيّة 2045 - في طريق تحقيق الأمل بالفكر والعمل» حاملة إمضاء دشتي والأمين العام لجامعة الدول العربية أحمد أبو الغيط، و«تشتمل على ستة أركان مترابطة تشكّل ركائز المستقبل المشرق الذي يسهم في تحقيق آمال شعوب المنطقة العربيّة على المستوى الفردي والجماعي، وهي الأمن والأمَان، العدل والعدالة، الابتكار والابداع، الازدهار والتنمية المستدامة، التنوع والحيوية، والتجدد الثقافي والحضاري». الوثيقة هي نتاج مساهمات عدد من «الخبراء» في شتّى القطاعات شاركوا رؤاهم مقابل آلاف الدولارات لكلّ رؤية. في مجال الأمن والأمان، على سبيل المثال، يسطع الابتكار والابداع حيث اقترح وزير خارجيّة لبنان السابق ناصيف حتّي «تعزيز عمل جهاز انذار مبكر في الجامعة العربيّة لرصد بوادر النّزاعات المحتملة والأزمات، وتبني مبادرة الدبلوماسيّة الوقائيّة الاقليميّة، وهيئة حكماء لتسوية الخلافات، وبناء جهاز للتحرك لاحتوائها وتسويتها قبل استفحالها». السؤال الذي لا تجيب عليه الوثيقة هو من أين تأتي بالحكماء وكيف لهم أن يفرضوا تسوياتهم؟
أمين عام جامعة الدول العربية أحمد أبو الغيط (من الويب)

تكثر وثيقة الرؤية العربيّة 2045 من استخدام مصطلح «أدوات الثّورة الصناعيّة الرابعة»، وترى خلاص الشعب العربي في إنشاء «مركز وطني للتميّز» على امتداد الأوطان. لكن الخوض في تفاصيل كل مبادرة يظهر سطحية بالغة وجهلا بالمواضيع التي تتناولها، فيتمّ إقحام تقنيّة البلوكتشاين، أو سلاسل الكتل، في كلّ حلّ مطروح كوصفة سحريّة لكل شائبة في البلاد، من دون فهم لما تمثّله هذه التقنية واستخداماتها، عدا عن أنها قد تكون استبدلت بما هو أكثر تطوراً وفعاليةً بحلول العام 2045. هنا أمثلة أخرى عن حلول لا تحلّ شيئاً في نطاق الأمن والأمان: «في الأمن المعلوماتي، تأسيس هيئة عربيّة عالية المستوى للاشراف على الأمن السيبراني، وبناء القدرات العربيّة القادرة على تحقيق الأمن المعلوماتي والسيبراني الصحيّح»، «في أمن الطاقة، التعامل مع تذبذب وانقطاع الكهرباء في مناطق انقطاعها في الريف وغيره، من خلال توفير الكهرباء المولَّدة باستخدام الطاقة الشمسية والرياح كمصدر طاقة احتياطي، وتسجيل أثرها في سلاسل الكتل»، «في الأمن البيئي، إنشاء سوق عربية لتداول أرصدة انبعاثات الكربون ومشتقاتها، بما في ذلك خيارات البيع والشراء والعقود المستقبلية والآجلة المدرجة». في مجال العدالة الاجتماعيّة والاقتصاديّة والقضائيّة لم تكتفِ الرؤية بأدوات الثورة الصناعية الرّابعة بل تجاوزتها إلى الخامسة، «تقوية برامج التّعاون بين وزارات العدل العربية، في ما يتّصل بنقل التّقنيات البازغة بأدوات الثّورتين الصّناعيتين الرّابعة والخامسة، لتمتين الثقة في المؤسّسات العدلية على امتداد دول المنطقة». وطبعاً في الابتكار والابداع تبدو الرؤى أقرب إلى الخيال العلمي إذ تنطلق من «المبادرات المفيدة للبيئة العربيّة مثل عملة الطاقة الشمسية «سولاركوين»، وعملة الثروة السمكية «فيشكوين»، وعملة الزراعة “غرينكوين”» وتصل إلى «إنشاء وحدة رؤى عربيّة موحدة، تنسق مع وحدات رؤى في كل دولة عربيّة، كاستخدام الاقتصاد السلوكي وعلم النفس «لدفع» الناس بلطف نحو خيارات أفضل».
تكثر وثيقة الرؤية العربيّة 2045 من استخدام مصطلح «أدوات الثّورة الصناعيّة الرابعة»


تضم الوثيقة الكثير من الرسومات البيانيّة والمؤشرات التي لا تشير إلى شيء يذكر، وتُختتم بضرورة إيجاد منصة تتيح تتبّع البيانات، بالإضافة إلى «تحسين الحوكمة، والامتثال، والشفافية، والإفصاح في المؤسسات العامة، وتعزيز فعاليّتها، وتكريس التطبيق المثمر للتقنيات البازغة». معظم الوثائق التي تصدر عن وكالات الأمم المتّحدة يكون مصيرها تجميع الغبار بينما تجلس في الأدراج وعلى الرفوف، لكن ليست كل وثيقة تحمل عنوانا رنّانا وطموحاً كـ«الرّؤية العربيّة 2045 - في طريق تحقيق الأمل بالفكر والعمل».