1750 متراً مربّعاً مساحة كلّ طابق من الطوابق الثلاثة للمستودع الذي اشتعل على مدى خمسة أيام على طريق المطار. أكثر من 5 آلاف متر مربع من النيران استعرت في «ملجأ مبنى سكني، كُدّست فيه الأقمشة والمواد الكيميائية المرافقة لصناعتها، والوقود، والزيوت»، قبل أن تتمكن أفواج الإطفاء من السيطرة عليها وإخمادها. «مساحة المكان الهائلة تستوجب وجود أنظمة مكافحة حرائق»، يقول المختص في أنظمة مكافحة الحرائق المهندس هادي تقي، إنّما «لا أثر للأنظمة»، بحسب إفادة مدير فوج إطفاء الضاحية حسين كريم. عمليّة الإطفاء كلّفت أرواحاً، إذ استشهد الإطفائي محمد الديدي من فوج الدفاع المدني في حارة حريك، بالإضافة إلى «إصابات طفيفة لإطفائيين من فوج إطفاء الضاحية»، وتهجير سكّان منطقة سكنيّة بأكملها.الحريق انتهى فجر أمس، وتجاوزت معه المنطقة كارثةً محققةً، ليس أقلّها «انهيار المبنى»، بسبب وجود منشأة منع قانون البناء ومرسوم السّلامة العامة وجودها في منطقة سكنيّة. اليوم، تستمر عمليات التبريد، على أن تدخل الفرق الهندسيّة المبنى المنكوب لتحديد الأضرار والكشف على مدى تأثر العناصر الإنشائية، كالإسمنت والحديد بالحريق والحرارة العالية.
يعيد أمين سر نقابة المهندسين المهندس توفيق سنان «وجود ورش أعمال خطرة مثل الحدادة والبويا» إلى «غياب الدولة بكلّ أشكالها، ولا سيّما السلطات المحليّة المتمثلة بالبلديات، ما حوّل هدف ملاجئ الأبنية من خدمة السّكان، إلى منشآت صناعية». ويشير إلى أن «مواصفات الأبنية السكنيّة مغايرة لتلك الصناعية، من ناحية نوعية الإسمنت، وغياب الأبواب المقاومة للحرائق والقادرة على تأمين عزل تام بين أجزائها، والتوصيلات الكهربائية الملائمة للبيئة الصناعية»، ما يجعل الأبنية السّكنية غير قادرة على الصمود أمام الكوارث الصناعية. فـ«بعد حريق يدوم لأكثر من 3 ساعات، يصبح هناك خطر على الأساسات»، بحسب تقي.
مواصفات الأبنية السكنيّة من ناحية نوعية الإسمنت مغايرة لتلك الصناعية


خلال حريق مستودع الأقمشة، «الحرارة لم تتجاوز 500 درجة مئوية»، يؤكّد كريم، ورقم 1500 درجة مئوية الذي تناقله بعض الإعلام «غير دقيق، وإلّا كنا سنشهد انصهاراً للحديد وانهياراً للمبنى». وعلى الرغم من ذلك، لا يجزم رئيس لجنة السّلامة العامة في اتحاد المهندسين العرب، المهندس علي حنّاوي بـ«سلامة المبنى وصلاحيته للسّكن قبل الكشف الهندسي عليه، ومعرفة حالة الحديد والإسمنت فيه». في حين، يؤكّد كريم «المعاينة البصرية للتصدّعات في القشرة والبلاط، وظهور تموّجات الحديد في السّقف والأرضيّة، إنّما لا تزال عواميد الأساس على حالها، وتقييم وضعها متروك للفحص التقني».
في المباني السّكنية، لا يسمح القانون بسوى «إقامة المؤسّسات التجارية العادية كالمحال، والصناعات الخفيفة، بشرط مراعاة السّلامة العامة»، بحسب حنّاوي. إذ يُمنع وجود أماكن تشكل خطراً على الناس في المناطق السكنيّة. ويحيل القانون إنشاء مستودعات المواد الخطرة، والقابلة للاشتعال، إلى المناطق الصّناعية، وضمن شروط صارمة، «لا تُحترَم أيضاً». ويشير إلى أنه في خلال فترة الكشف على الأبنية والمستودعات بعد زلزال تركيا، «تبيّن أن واحداً فقط من أصل 20 مستودعاً لتخزين البضائع يحترم أصول المناولة، أي يحتوي على ممرات واسعة، ويوزّع المواد بحسب قابليتها للاشتعال»، لافتاً إلى أن «الناس نسيت أثر الزلزال، كما لم تستفد من كارثة احتراق معمل السجاد في زفتا العام الماضي، والذي بلغت خسائره 12 مليون دولار فيه، بسبب عدم احترام مبدأ فصل المصنع عن المستودع». المشكلة الأساسيّة، بحسب حنّاوي، سببها «تقصير لجنة إدارة الكوارث في القيام بعملها، إذ لا تعمل على زيادة الاحتياطات، أو تطبيق مرسوم السلامة العامة بشكل دقيق».
الفوضى العارمة تحكم قبضتها على لبنان، حتى المصانع والمستودعات البعيدة عن المناطق السكنيّة لا تحترم فيها أصول التخزين، إذ «لا توجد داتا تشير إلى محتويات المكان، أو كيفية توضيب البضاعة، وفصل المواد القابلة للتفاعل عن بعضها». وهذه المعايير يصفها تقي بـ«الدفاع السّلبي ضد الحرائق، وتدخل ضمن تصميم نظام مكافحة الحرائق الفاعل». فخلال حريق مستودع الأقمشة الأخير، ونتيجة «التكديس، وعدم وجود ممرات بين البضائع، وعشوائية المكان، في ظل الدخان الأسود الناتج عن مواد تشتعل بشكل بطيء، تأخّرت مكافحة النيران».



تذاكٍ على أنظمة الإطفاء
يشير المهندس المختص في أنظمة مكافحة الحرائق هادي تقي إلى أن «الحد الأدنى من أنظمة مكافحة الحرائق في المصانع والمستودعات هو وجود جهاز إنذار موصول على هاتف ينذر أقرب مركز للدفاع المدني. وهذه الفكرة ليست من المثاليات، بل موجودة ومركّبة بكثرة في المصانع والمستودعات على الأراضي اللبنانية»، مشيراً إلى «أنّ شركات التأمين تطلب وجود هكذا نظام لقبول وضع عقد ضمان».
أما أنظمة الإطفاء الموجودة في المصانع والمستودعات، فيراها هادي «تذاكياً على الحماية، ولا تحمي، فأغلبها مكوّن من مطافئ السقف، سعة 6 كيلوغرامات، معزولة عن بعضها البعض، ولا تعمل بشكل متزامن، وتفتح عند ارتفاع الحرارة كثيراً، أي بعد فوات الأوان، من دون فعالية جيّدة». في حين، «يستوجب نظام مكافحة الحرائق وجود مرشّات مياه موصولة على خزانات كبيرة، تعمل بشكل متزامن ولفترة طويلة، ما يسمح بتبريد الحريق بانتظار وصول فرق الإطفاء».
وحول دور البلديات في الضاحية، «مقابل التزامها بتأسيس وتجهيز فوج إطفاء»، لا يلمس تقي جدّيةً في الأدوار الأخرى المتعلّقة بالسلامة والوقاية من الحرائق في المباني، مقارنةً ببلديات أخرى، الأكثر التزاماً بمرسوم السّلامة العامة. فـ«بلدية بيروت مثلاً، تفرض حدّاً أدنى من التجهيزات لمكافحة الحرائق».