التركيز على أصول مصرف لبنان بالعملة الأجنبية وعلى الخسائر الهائلة التي لحقت بميزانيته والتي تستوجب إعادة هيكلته، استحوذ على تقرير Oliver Wyman. يقول التقرير إن مصرف لبنان «راكم الخسائر بسبب العمليات الناتجة من سياسته النقدية. بعض هذه العمليات ولا سيما تلك التي سُمّيت (هندسات مالية)، تكبّل مصرف لبنان وإن كانت تجنّبه مخاطر السيولة والائتمان. ومثل هذا التحوّط يجب أن يعاد احتسابه وفق ضغوط الأطراف المقابلة، مثل العملة الأجنبية لدى المصارف التجارية وتقلبات سعر الصرف».ويرجّح تقرير Oliver Wyman أن يكون مصرف لبنان بحاجة إلى إعادة رسملة، إذ إن سياسة تثبيت العملة التي نفّذها كبّدته خسائر، وأصبحت أصوله سلبية بحسب معايير المحاسبة التقليدية «وستكون هذه الخسائر أكبر مع انحراف سعر الصرف عن مسار التثبيت أكثر». أيضاً تبيّن لمعدّي التقرير أن مصرف لبنان انحرف عن المعايير المحاسبة الدولية من أجل «التعامل مع الوضع الصعب»، وهو ما دفع مصرف لبنان إلى «تجنّب إعادة الرسملة نظراً إلى العجز المالي المستمرّ للحكومة، وارتفاع نسبة الديون إلى الناتج المحلي الإجمالي، وقلق مصرف لبنان بشأن التعقيدات السياسية لإعادة الرسملة المحتملة». ورغم وجود معايير موحّدة للمصارف المركزية حول العالم، إلا أنه في الممارسات التي تتبناها البنوك المركزية البارزة مثل البنك المركزي الأوروبي (ECB)، وبنك إنكلترا (BoE)، أو الولايات المتحدة (الولايات المتحدة) نظام الاحتياطي الفيدرالي (Fed)، ليس من غير المألوف إلا يتم الاعتراف بالخسائر المؤقتة. لذا، فإن الفرق في سعر الصرف المعتمد رسمياً، وسعر الصرف الفعلي في السوق أو سعر السوق المستقبلي «يضعف بشكل دائم من قدرة دائني مصرف لبنان على الوفاء بالتزاماتهم المتعلقة بالعملات الأجنبية مع الأطراف المقابلة الأخرى. وصافي وضعية مصرف لبنان بالعملات الأجنبية هو سلبي ولا سيما عند مقارنة الأصول والالتزامات بالقيمة الاسمية، وأي انخفاض إضافي في قيمة الأصول، سيجعل ذلك أسوأ». ومصرف لبنان راكم الخسائر في بند الأصول الأخرى، أي تعامل معها باعتبارها «مؤجّلة، حتى لا تؤثّر على أصوله، وبالتالي تجنّب إعادة الرسملة القسرية». لذا، فإن ميزانية مصرف لبنان الحالية (حتى نهاية آذار 2021) «لا تعكس المركز المالي الفعلي لمصرف لبنان».
كلّما انحرف سعر الصرف أكثر من مسار التثبيت ازدادت الخسائر


ومع أن سياسة تثبيت العملة امتدّت لأكثر من 20 سنة، إلا أنه «في غياب أساس قانوني لتثبيت سعر العملة، ومع الاعتبار أن قابلية تحويل الليرة اللبنانية إلى الدولار الأميركي مقيّدة بشدة عند السعر الرسمي، ومع التسارع في ارتفاع سعر الصرف، فإن الإطار المحاسبي (المعايير المحاسبية) المتّبعة في سياق سعر الصرف الرسمي، لا تعكس الوضع الاقتصادي والمالي الفعلي والميزانية العمومية لمصرف لبنان، بل ستكون ميزانية مصرف لبنان خاضعة لتعديلات واسعة».
يرى التقرير أن المشكلة الأساسية تكمن اليوم في أن لدى مصرف لبنان صافياً سلبياً في أصوله بالعملة الأجنبية، وهذا يعني أن التأثير كبير على المصارف التجارية. فالمصارف المركزية يمكنها أن تعمل في مثل ظروف كهذه على عكس الكيان التجاري. «الأكثر إشكالية أن مصرف لبنان لديه مركز سلبي والقطاع العام بكامله مكشوف أيضاً، إذ لا يمكن إصلاح ذلك من خلال العمليات المحلية وحدها، وفي نهاية المطاف سيتطلب لبنان تدفّقات رأسمالية جديدة، وعلى الأرجح بعض القيود على تدفّقاته الخارجية». ويفسّر التقرير ذلك بالإشارة إلى أن تداخل الأصول والالتزامات بالعملة الأجنبية بين مصرف لبنان والمصارف التجارية يعني أنه يترتب على مصرف لبنان إعادة هيكلة مطلوباته وتسجيل ودائع المصارف لديه باعتبارها خسائر، وبالتالي سينعكس ذلك على ملاءة المصارف وسيولتها.