يعترف جميع المسؤولين اللبنانيين بسوء أوضاع السجون. ويذهب بعضهم إلى أبعد من ذلك أحياناً، فيطلقون وعوداً ويعلنون وضع خطط من أجل تحسينها، أو هدمها، أو إعادة بنائها، أو إنشاء سجون أخرى جديدة. وعود لا ينتج منها إلا تحسينات طفيفة غير قادرة على معالجة أزمة مستفحلة منذ عقود.إن ملف السجون لا يعني السجناء وذويهم والحرس وبعض الجمعيات غير الحكومية التي تسعى إلى توفير حاجاتهم الأساسية فحسب، بل هو مرتبط بعجز نظام العدالة وترهّل دولة القانون في لبنان. يتطلّب إصلاح السجون استمرارية ومتابعة وموارد مالية وبشرية ليست متوفرة بانتظام، فهل من حلحلة لأزمة السجون أو أنها إلى تفاقم؟
نشرت وزارة الداخلية والبلديات التقرير الوطني الشامل الأول عن أوضاع السجون في لبنان منذ 11 سنة (انطلق المشروع يومها بتوجيهات من الوزير زياد بارود). ويبدو أن ما تضمّنه من معلومات وتوصيف للتحديات والصعوبات في السجون ما تزال نفسها اليوم.
التقرير المؤلف من 25 مجلّداً خلُص إلى أن أوضاع السجون في لبنان لا تتناسب مع المعايير الدولية، لا من النواحي العدلية والحقوقية والعقابية ولا من النواحي الاجتماعية والإصلاحية. وأضاف أن جميع مباني السجون لا يمكن أن تستوعب أكثر من 1500 سجين وفق المعايير الدولية، بينما عدد السجناء الحالي يفوق الـ8000 يحشرون فيها وفي بعض المخافر، ما يؤدّي إلى اكتظاظ خانق. باستثناء مباني السجن المركزي في رومية وسجن زحلة للرجال، جميع مباني السجون غير مصممة لتكون سجوناً بل مراكز للشرطة أو مستودعات.
أدخلت المديرية العامة لقوى الأمن الداخلي تعديلات على هذه المباني، لكنها غير كافية لتحويلها إلى سجون تتوافق مع المعايير الدولية. إذ إن معظمها موجود في الطبقات السفلية لثكن ومراكز تابعة لقوى الأمن لا يدخلها النور والهواء الطبيعيان بكمية كافية (النبطية، وجب جنين، وراشيا، وحلبا، وزغرتا، وجبيل، وجزين)، أو سرايا قديمة يعود تاريخ إنشائها إلى العهد العثماني (صور، وبعلبك، وتبنين، وعاليه، وزحلة للنساء)، حيث لا وجود لمخارج طوارئ في حال وقوع حريق أو حوادث تستدعي إجلاء السجناء والحراس. أما في سجن رومية، حيث لحظ التصميم الأساسي وجود تلك المخارج، لكن لا يمكن استخدامها نتيجة إغلاقها النهائي لدواعٍ أمنية. يذكر أن معدّات الإطفاء غير متوفرة بما يكفي في السجون ولا تتناسب خصوصيات المباني مع المتطلبات الأمنية، حيث لا يوجد أبواب مصفّحة، غير قابلة للخلع، تفصل أقسام السجن عن بعضها بعضاً ولا كاميرات مراقبة كافية، كما تفتقر إلى أجهزة تفتيش (ماسحات ضوئية).
المجاري الصحية في معظم السجون تعتريها مشاكل انسداد بسبب عدم قدرتها على احتواء مياه الصرف الصحي، لأنها مصمّمة بالأصل لخدمة أقل من نصف نسبة الاستخدام الحالي ولم يجرِ توسيعها. كما تعاني السجون نقصاً حاداً في مياه الشرب والاغتسال. أما الإمدادات الكهربائية في جميع السجون فهي غير مناسبة وعشوائية، متشابكة ببعضها ومهترئة وقد تؤدي إلى احتكاك في الأسلاك يشكل خطراً على سلامة السجناء والحرس.
يشغل الجيش اللبناني أحد المباني غير مكتملة البناء في رومية. كما تشغل مجموعة من قوى الأمن معنية بتدريب الكلاب البوليسية جزءاً آخر من السجن. بينما يعاني السجناء ضيقاً في مساحات النوم والأكل والنزهة والمواجهات مع الزوار ووكلائهم القانونيين، وضيقاً حتى في المساحة التي تتيح لكل منهم الحفاظ على الحد الأدنى من الخصوصية الفردية. أضف إلى ذلك أن عدد المراحيض والحمامات في السجون غير كافٍ لخدمة عدد السجناء.
ولا توجد أماكن مناسبة لحفظ الأغراض الخاصة لكل سجين. كما يشكو السجناء من الطعام الذي تؤمنه إدارة السجن، إذ يدّعي بعضهم أن فيه أوساخاً وحشرات وأنه غير كافٍ ولا يصلهم بالأواني المناسبة.
أما من الناحية الصحية، فالخدمات الطبية في السجون غير كافية ولا تتناسب مع المعايير الدولية. حيث عدد الأطباء والممرضين قليل (وقد أعلنوا أخيراً الإضراب عن العمل)، كذلك المستوصفات، إن وجدت، فهي غير مجهزة بالكامل. أما في ما يخصّ السجلات الطبية للسجناء فهي غير متوفرة في عدد من السجون، وإذا توفرت فتكون ناقصة بغالبيتها ولا تتناسب مع المعايير الدولية.
لا مخارج طوارئ في السجون تستخدم في حال وقوع حريق أو حوادث تستدعي إجلاء السجناء والحراس


المساحة المخصصة للنزهة ضيّقة في جميع السجون ولا تتيح للسجناء ممارسة نشاطات رياضية، مع انعدام وصول أشعة الشمس إلى ساحة النزهة في بعضها (زغرتا، وراشيا، وجب جنين، وصور، والنبطية، وجبيل، وطرابلس للرجال). كما تعاني السجون نقصاً أو غياباً تاماً للنشاطات التربوية والرياضية والتعليمية والمشاغل والبرامج العلاجية النفسية. ولا توجد هواتف ثابتة في عدد منها، أما تلك التي توفّرت فيها فلم تكن كافية.
تُهرّب الهواتف الخلوية إلى عدد من السجناء من الخارج ولا توجد آلات تشويش عليها. كما يشكو بعضهم من استنسابية في تعامل إدارة السجن والحراس معهم. والدليل على ذلك نظام الشاويش والخدم، إذ تختار إدارة السجن الشاويش (للمساعدة في إدارة شؤون السجن) والخدم (للتنظيف وتوزيع الطعام) من بين السجناء من دون العودة إلى معايير قانونية مكتوبة. كذلك يشكو السجناء من عدم تناسب ظروف المواجهات مع حاجاتهم الإنسانية للتواصل مع زوارهم وأفراد عائلاتهم خاصة. فباستثناء مبنى المحكومين في السجن المركزي، لا يوجد في السجون الأخرى أماكن يمكن أن يعانق فيها السجين أولاده وسائر أفراد عائلته.
إن الاهتمام بالسجون بعدِّها المرافق العقابية الأساسية في لبنان هو اهتمام بنظام العدالة الشامل، إذ إن مرحلة تنفيذ العقوبة هي المرحلة الثالثة من نظام العدالة بعد مرحلتَي الضبط والمحاكمة، وهي المرحلة التي تحدّد الفشل عبر عودة المحكوم إلى الجريمة أو النجاح عبر إصلاحه.