آخر ما كان يمكن توقّعه أن تعيش المدرسة الرسمية على «فتات» المساعدات ومبادرات أصحاب «الأيادي البيضاء». ولكن، في غياب المرجعية الرسمية والحلول المركزية للتعليم، صار كل شيء مشروعاً. فأصبح مألوفاً، مثلاً، أن يُنظّم حفل فني في بلدة ميفوق - القطارة الجبيلية، تباع بطاقاته بـ 10 دولارات للشخص، ويُخصص ريعه لدعم العام الدراسي الرسمي. كما يمكن أن يمر مرور الكرام فيديو موثّق ينشره مدير ثانوية كفرا الجنوبية الرسمية، فؤاد إبراهيم، على حسابه على «فايسبوك»، يشكر فيه رجل أعمال تبرّع بثلث مبادرة أطلقتها الثانوية بعنوان «اسند خيّك» بهدف جمع التبرعات للثانوية، في مقابل أن يقدّم المدير ضمانات بأن يكون العام الدراسي سلساً وهادئاً بلا إضرابات واضطرابات! وأن يطلب من الأهالي بما يشبه «الإعلان التجاري» التسجيل في ثانويته وعدم الذهاب إلى المدارس الخاصة، علماً أن «الترويج» للمدرسة الرسمية يكون بتحمّل الدولة لمسؤولياتها تجاهها وإعطاء حقوق أساتذتها وليس بـ«الشحادة» على حسابها.كذلك بات أمراً طبيعياً أن يدفع عضو في بلدية مبلغاً من جيبه لمدرسة في بريتال، وأن «تتكرّم» المكاتب التربوية الحزبية، نهاية كل شهر، بتوزيع أموال على الأساتذة في كل ثانويات منطقة بعلبك - الهرمل من دون معرفة معايير توزيعها... وغير ذلك الكثير من أمثلة الريوع «عالقطعة»، بما يخالف مبدأ الشمولية والمساواة بين الموظفين الرسميين، ويهدف إلى قطع الطريق على أيّ تحرك نقابي مفتوح، مع ما لذلك من محاذير كأن يكون هناك معلمون ينتمون إلى الفئة الوظيفية نفسها، ويزاولون العمل نفسه، ويحصلون على مداخيل متفاوتة، وأن يتعلم تلامذة وآخرون يبقون بلا تعليم، فقط لأن صناديق مدارسهم خاوية ولم يجد مديروها من يدعمها من «الخيّرين» ويغطّي مصاريفها التشغيلية ويساعدها على فتح أبوابها، وكأنّ المدارس الرسمية تحوّلت إلى «فدراليات»، تنتعش في بعض المناطق وتتعثّر في مناطق أخرى.
هل يحصل هذا بعلم الحكومة التي لا تزال ترفض إدراج التربية والمدرسة الرسمية في رأس سلّم أولوياتها، وبتوجيهات من وزير التربية عباس الحلبي والمدير العام عماد الأشقر وبموافقتهما؟ وهل تراقب الوزارة دخول الأموال «الخاصة» إلى المدارس الرسمية وآلية توزيعها وما إذا كانت تخضع لمزاجية المدير وفساده؟ وهل يبلّغ المدير الوزارة أصلاً بالهبة المقدّمة لمدرسته من المجتمع المحلي كما يقتضي القانون؟ وهل يسمح القانون نفسه بقبول هذا القدر من الهبات المالية؟