ولكن، عندما أحيل الملف إلى ديوان المحاسبة، ظهرت نتائج أولية سريعة تشير إلى أن الديوان لا يمكنه الموافقة على الصفقة. وبالنتيجة، أوصت الهيئة الناظرة بالملف في الديوان بأن على وزارة الاتصالات التقيّد بقانون الشراء العام لصياغة دفتر شروط واضح وموضوعي وخال من الغموض، وعلى ضرورة اعتماد استراتيجية ثابتة عند اختيار المؤهّلات المطلوبة بما يتناسب مع حجم ونوع المهام المطلوبة، وبما يضمن تنفيذ الصفقات العمومية بكفاءة، فضلاً عن أهمية منح العارضين المهلة الكافية لتقديم عروضهم. ومن أبرز أسباب اتخاذ الديوان قراراً برفض المزايدة الثالثة لخدمات البريد الآتي:
- بدا واضحاً للديوان أن الإدارة عدّلت مؤهلات ومعايير التقييم المطلوبة في دفتر شروط المزايدة الثالثة، كما أنها عملت على «تبسيطها وتسهيلها وتهوينها» كما ورد حرفياً في التقرير، لإتاحة المجال أمام Merit invest - Colis Privé الفوز عبر تفصيل دفتر الشروط «على مقاس مؤهلاته ومهنته». فالعارض لم يكن يتمتع بالخبرة الملزمة في الخدمات البريدية، وما قدّمه يقتصر على مهام نقل الطرود لمصلحة الشركات التجارية والأفراد عبر الإنترنت، وبالتالي هناك استحالة قانونية بأن تتمكن الشركة من الإيفاء بمتطلبات دفتر الشروط. بمعنى آخر، يشير ديوان المحاسبة بما لا لبس فيه، إلى أن وزير الاتصالات متواطئ مع الشركة ومع موظفين آخرين في الوزارة، بمخالفة القانون لتمكين الشركة من الفوز بالمزايدة على حساب مصلحة الدولة. وسأل الديوان: «كيف يمكن لشركة تحمل ترخيصاً في نقل الطرود أن تقوم بتشغيل المرفق العام البريدي في لبنان وتطوّره وتحقّق منه فوائد اقتصادية واستثمارية؟ كما استند أيضاً إلى المادتين 7 و21 من قانون الشراء العام الواضحتين في مسألة عدم إمكانية طلب إجراء أو السماح بإجراء أيّ تغيير جوهري في ما يتعلق بالمؤهلات وجعل مؤهلاً من ليس مؤهلاً أو لا يستوفي المتطلبات، لتأكيد ضرورة إعادة التلزيم على أسس علمية واضحة.
على وزارة الاتصالات التقيّد بالقانون لصياغة دفتر شروط خال من الغموض
- اعتبر الديوان أن وزارة الاتصالات أخلّت بواجبها في إعداد الصفقة لجهة وضع دفتر شروط خال من دراسة مالية واقتصادية واضحة لسوق الخدمات البريدية، فبات من غير المؤكد إذا كانت نسبة الـ 10% المحددة من الشركة كإيرادات للدولة تحقق فعلاً مصالح الدولة المالية.
- قبلت الوزارة العرض الوحيد المقدّم من تحالف الشركتين، خلافاً للشروط المفروضة في المادة 25 من قانون الشراء العام، وخصوصاً أن الأمر يتعلق بتلزيم مرفق عام أساسي لمدة 9 سنوات.
- المخالفة الإضافية جاءت على شكل تحديد فترة قصيرة بين الإعلان عن المناقصة وتنفيذها، ما حال دون تمكّن بعض الشركات من تحضير عروضها وتقديمها. في حين أن المادة 12 من قانون الشراء العام تحدّد مهلة الإعلان وفقاً لأهمية المشروع على أن لا تقلّ عن 21 يوماً من موعد تقديم العروض. بينما حدّد وزير الاتصالات مهلة تقديم العروض بخمسة أسابيع لم تكن كافية للراغبين في المشاركة، ولا سيما أن للمزايدة طابعاً دولياً، علماً بأنه في مناقصات أقلّ أهمية يمنح العارضون ستة أسابيع، وفق ما أشار الديوان.
- اعتبر التقرير أن الإدارة أخلّت بواجبها عبر قبول المضيّ في الصفقة رغم وجود عارض واحد لا تنطبق عليه مبادئ وأحكام القانون. كما لوحظت خفّة في التعامل مع بعض مواد القانون وتعمّد وضع تعقيدات ونصوص غير مألوفة في دفتر الشروط لتهريب العارضين، فضلاً عن أخطاء وتناقضات واستهتار في إعداد الدفتر ما يجعله غير صالح لتلزيم هذا المرفق العام.
- وُضعت مواد في العقد لا تؤمن مصالح الدولة؛ ومنها على سبيل المثال تحديد بدل إيجار لمكتب بريد رياض الصلح ومركز بيروت للفرز بقيمة مليون و200 ألف دولار، أي البدل نفسه الذي كان عليه الإيجار في العام 1998 بين وزارة البريد وكندا بوست!
- إلى جانب كل ما سبق، أجرى الديوان تحليلاً مالياً بالاستناد إلى الجداول المرفقة بتقرير هيئة الشراء العام، بيّن الأضرار المحتملة على إيرادات الخزينة نتيجة اعتماد مخطط جديد لتقاسم الإيرادات في المزايدة الثالثة. وقد بلغت الخسارة المتوقعة على الخزينة العامة 5 ملايين دولار.
إذاً، المقصود واضح. الصفقة ستضع الكثير من الدولارات في جيوب المنتفعين منها على حساب المال العام والخدمات العامة لمدة تسع سنوات.