#ملوخية من بين «الهاشتاغات» الأكثر تداولاً على منصّة X في لبنان بعد جريمة القتل التي شهدتها منطقة البساتين في قضاء عاليه. «إذا كل واحد تخانق هو مرته ورجع لقاها طابخة ملوخية ما ياكل» هي واحدة من التغريدات التي جاءت تحت هذا الوسم، وترافقت مع تغريدات أخرى عديدة لصور «صحن ملوخية» مع تعليقات ساخرة. كما انتشر وسم «#طرد_النازحين_السوريين» مع ازدياد الشحن العنصري في لبنان وتحميل النازحين السوريين وزر زيادة الجرائم.تتحمل وسائل الإعلام مسؤولية الإبلاغ عن الجريمة بطريقة دقيقة وهادفة تحمي حقوق الضحايا والمشتبه فيهم، من دون إثارة المشاعر أو الاستخفاف بها. إذ يمكن لـ«الإثارة الإعلامية» لقصص الجرائم أن تجعلها تبدو مسليّة باستخدام عناوين جذابة وcatchy لحصد مزيد من المشاهدات والتفاعل. يشمل ذلك أيضًا المبالغة في سرد تفاصيل الجريمة عبر التركيز على جوانبها المروعة وأكثرها بشاعة، التي قد تكون غير صحيحة في بعض الأحيان.
وفي مثال على ذلك، تداول بعض الوسائل الإعلامية خبرًا مفاده «قامت زوجة الضحية بمساعدة رجلين من التابعية السورية بنقل الجثة إلى منطقة حرجية في رأس الجبل في عاليه حيث ألقت كمية من الأسيد عليها بهدف تحللها قبل رميها». بغضّ النظر عن الخطأ الشائع حول إمكانية حرق الجثة بهذه «البساطة». وكانت قد تداولت وسائل إعلامية أخرى أخباراً عن تقطيع الجثة، فبدت الجريمة كأنها فيلم رعب أو حلقة من مسلسل «دامر - الوحش» الذي يعرض على منصّة Netflix. كما استخدمت لغة مثيرة أو محرّضة في وصف الجريمة أثناء التغطية الإعلامية مع «نبرة» تسهّل على الناس رؤية السوري كمجرم أكثر من اللبناني.
مثال آخر على «التشويق» خلال نقل وسائل الإعلام للجريمة، هو تداول خبر العثور على جثة «مربوطة بحبل تحت الجسر» التي أثارت فضول العديد من الذين بدت لهم الجريمة وكأنها لعبة أو لغز ينبغي حلّه. كذلك يمكن لوسائل الإعلام أيضًا جعل الجريمة مادة ترفيهية من خلال التقليل من شأنها عبر الاستخفاف بالجرائم الخطيرة واستخدام الفكاهة أو السخرية، تمامًا كما حدث في جريمة عاليه وطبق «الملوخية».
إضافة إلى التسرّع في الإدانات الإعلامية للمشتبه فيهم قبل صدور الأحكام من المحكمة المستقلة، أثّرت التغطية التلفزيونية والصحافية بشكل مباشر وكبير على سمعة المشتبه فيه هيثم مزاحم من خلال خلق تصوّر واسع النطاق بجرم التواصل مع جهاز الموساد «الإسرائيلي» قبل صدور أي حكم. «عميل إسرائيلي بدأ في المستقبل»، «المثقف العميل منذ خمسة أعوام»، «عميل برتبة صحافي» وغيرها من العناوين التي تصدّرت صفحات الصحف والوسائل الإعلامية الأخرى في قضية مزاحم الذي برّأته المحكمة العسكرية في حكمها الصادر أخيرًا.
لأن الاعتراف ليس سيد الأدلة، ولأنه لا يحق لأي إعلامي تولّي دور المحقق القضائي، ولأن الوصول إلى الحقيقة العلمية يتطلب الكثير من الوقت والجهد والكفاءة والدقة، ولأن التحقيقات الجنائية ليست «نتفليكس»، من الضروري التذكير بخطورة تسريب التحقيقات القضائية ونشر المعلومات المضللة والإشاعات التي تشكَل انتهاكاً للإجراءات القانونية الواجبة وتسيء إلى مسار العدالة الصحيح وتزيد من تبعات الجريمة على الأمن والاستقرار.