منذ عشر سنوات، «تفظّع» المقالع والكسارات تدميراً ونهشاً وتشويهاً في بلدة بشتودار عورا، في قضاء البترون، مخالفةً مرسوم تنظيم المقالع والكسارات. أخيراً، قرّر وزير البيئة ناصر ياسين والنائب العام البيئي في الشمال القاضي غسان باسيل «التحقيق في الموضوع»، بعدما وصلت أذرع أخطبوط المقالع إلى محيط وادي نهر الجوز المُصنَّف موقعاً طبيعياً.فقبل أيام، أثارت جمعية «الأرض - لبنان»، عبر صفحتها على «فايسبوك»، إقامة مقالع في موقعَي بشتودار عورا وداعل، في حرم نهر الجوز المُصنّف من المواقع الطبيعيّة الخاضعة لحماية وزارة البيئة. وأوضح رئيس الجمعية بول أبي راشد أن «المقالع في داعل تبعد 300 متر عن النهر، وفي بشتودار عورا لا تبعد أكثر من 220 متراً». ويكمن أصل المخالفة، وفق ياسين، في إنشاء مقالع وكسارات من دون الحصول على تراخيص من وزارة البيئة في موقع طبيعي خاضع لحماية وزارة البيئة بموجب القرار الرقم 22 الصادر عام 1998 عن وزير البيئة آنذاك أكرم شهيب، إذ حدّد القرار في المادة الثانية منه حدود حماية الموقع من إشغال الإنشاءات المختلفة، بين منبع المياه في قرية كفرحلدا وحتى المصبّ قرب قلعة المسيلحة، ضمن مسافة 500 متر من منتصف مجرى الوادي، وباتجاه الضفتين عرضاً، وفي ما خصّ المقالع والكسارات والمصانع والمرامل، تمتدّ المساحة المحمية إلى 1500 متر بدلاً من 500 متر عرضاً. بمعنى آخر، لا يمكن إقامة المقالع والكسارات ضمن المساحة المحددة في القرار قبل أخذ موافقة وزارة البيئة وإجراء دراسة تقييم الأثر البيئي. غير أنه لم يعد يجوز الاستثمار في المقالع والكسارات في محيط وادي نهر الجوز، وفق المساحة المحدّدة في القرار 22، حتى لو سمح وزير البيئة بذلك، بموجب المرسوم الرقم 1735 عام 2009 الذي عدّل مرسوم «تنظيم المقالع والكسارات». فقد نصّت المادة الأولى من المرسوم على «حظر استثمار مقالع الصخور للكسارات والردميات، ومحافر البحص المفتّت طبيعياً، والمقالع لصناعة الترابة في المواقع الطبيعية والمحميات الطبيعية والمنتزهات الإقليمية والوطنية ومجاري الأنهر».
ولكن، خلافاً لما نصّ عليه المرسوم، حطّت المقالع رحالها في داعل على بُعد 300 متر من نهر الجوز، وفي بشتودار عورا على بعد 220 متراً، حتى شوّهت المنطقة الطبيعية. ففي الطريق إلى تنورين ودوما وشلال بساتين العصي، تعمل المقالع والكسارات من دون توقف.
وزير البيئة أكّد أن الصور التي انتشرت «تؤكّد وجود تعديات ومخالفة قانونية في وادي نهر الجوز، باعتبارنا لم نعطِ إذناً بإنشاء مقالع وكسارات في المنطقة، لذلك نحقّق في الموضوع ونحتاج إلى التأكد من الوزارات المعنية، ولا سيّما وزارتَي الداخلية والبلديات والزراعة». وفيما تُعدّ الأولى مسؤولة عن إزالة التعديات، ما هي علاقة وزارة الزراعة بالقضية؟ يجيب ياسين: «نريد معرفة ما إذا كانت وزارة الزراعة قد منحت أصحاب المقالع رخصة استصلاح أراضٍ». غير أن مدير التنمية الريفية والثروات الطبيعية في وزارة الزراعة شادي مهنّا ينفي حيازة صاحب المقلع رخصة من هذا القبيل، ويلفت إلى أنّه «في كلتا الحالتين، لا تسمح هذه الرخصة بتحويل الأرض إلى مقالع وكسارات، فهي واضحة جداً بما تجيزه، وتسمح بقطع الأشجار الحرجية بداعي تأهيل الأراضي الزراعية، لكنها تمنع نقل الناتج من الأرض من الرمول والأتربة والصخور كما تمنع تحويل العقار إلى كسارة أو مرملة، على أن يتعهّد المتقدّم بطلب الاستصلاح بالتزام هذه الشروط لدى الكاتبِ العدل».
لا يجوز استثمار المقالع في محيط نهر وادي الجوز حتى لو نالت ترخيصاً من وزارة البيئة


النائب العام البيئي في الشمال أكّد أن «البلاغ وصلني، وليس لديّ أيّ تفاصيل حوله، وسأعتبره بمثابة إخبار وأتحقّق من الموضوع». وفيما يسمع المعنيون بالتعديات للمرة الأولى، يلفت أبي راشد إلى أنّ «المقالع في بشتودار عورا ليست جديدة، فقد أثرنا الموضوع عام 2014 وتقدّمنا بشكوى سُجلت في وزارة البيئة وتابعناها حتى عام 2020 من دون نتيجة». عندما ورد إلى الجمعيّة بلاغ عن تعدّيات في داعل من أحد سكان تنورين «أعدنا إثارة مقالع بشتودار عورا مجدّداً على أمل أن يُحَلّ الملف في الموقعين». ويُذكر أنّ «الحركة البيئية اللبنانية» تقدّمت بشكوى إلى وزارة البيئة بتاريخ 19 حزيران عام 2018 ضدّ «مقلع للصخور يعمل لمصلحة سد بلعة في عقار تابع لمنطقة بشتودار عورا غير المصنّفة منطقة مقالع بحسب المخطّط التوجيهي للمقالع والكسارات»، كما أشارت في بيان لها آنذاك. فهل يتحرّك المعنيون هذه المرّة فعلاً وتُقلَع هذه المقالع المخالفة في وادي نهر الجوز؟ أم أن «التحقيقات» ستبقى مفتوحة إلى أجل غير مسمّى؟